للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

عباداتها ومعاملاتها، وفَصَّلَ لها أمور دينها، فقال لهم: "صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي"، وقال: "خُذُوا عنِّي مَناسِكَكُمْ" … وقال: "خُذُوا عَنِّي قد جَعَلَ اللهُ لهنَّ سَبِيلًا … " … إلى غير ذلك من أحكام صيام وزكاة، وبيع وشراء، وحلال وحرام … ممَّا يشملُ مُختَلِفَ مَناحي الحياة لم يذكرها القرآن الكريم، أو جاءت مُجْمَلَةٌ فيه، بَيَّنَها رسول الله لأُمَّتِهِ، وقد قال رسول الله : "ألا إني أُوتِيتُ القرآنَ ومِثْلَهُ معه" (١) أي إنه أُوتِيَ القرآنَ وَحْيًا يُتْلَى، وأُوتِيَ مثله من البيان، أي: أذن له أن يُبَيِّنَ ما في الكتاب، فيَعُمَّ ويَخُصَّ، وأن يزيد عليه، فيُشَرِّعَ ما ليس في الكتاب له ذكر، فيكون ذلك في وجوب الحكم ولزوم العمل به كالظاهر المتلو من القرآن (٢).

فالمراد بـ "المِثْل" في هذا الحديث السُّنَّةُ الشريفة، وهي التي أمر الله تعالى المؤمنين باتِّباعها، فأمَرَهم بامتثال أمره ، فقال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧]، وجعل طاعته من طاعته، فقال: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: ٨٠]، وحذَّر من مخالفته، فقال: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: ٦٣]، وقال: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا﴾ [المائدة: ٩٢].

"فرسولُ الله هو المُبيِّنُ عن الله ﷿ أمْرَه، وعن كتابه معاني ما خُوطِبَ به الناس، وما أراد الله ﷿ به وعَنَى فيه، وما شَرَعَ من معاني دينه وأحكامه، وفرائضه وموجِباتِه، وآدابه ومندوبه، وسنته التي سَنَّها، وأحكامه التي حَكَم بها، وآثاره التي بَثَّهَا، فَلَبثَ بمكة والمدينة ثلاثًا وعشرين سنةً يُقِيمُ للناس مَعَالِمَ الدِّين، يفرضُ الفرائضَ، ويَسُنُّ السُّنَنَ، ويُمضي الأحكام، ويُحَرِّمُ الحرام، ويُحِلُّ الحلال، ويُقِيمُ الناسَ على منهاج الحقِّ بالقول والفعل، فلم يَزَلْ على ذلك حتى توفاه اللهُ ﷿، وقبضه إليه، ، وعلى آله أفضل صلاة وأزكاها، وأكملها وأذكاها، وأتمها


(١) قطعة من حديث المقدام بن معد يكرب ، أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (١٧١٧٤)، وإسناده صحيح.
(٢) نقل هذا المعنى صاحب "عون المعبود" ١٢/ ٣٥٥ عن البيهقي.

<<  <  ج:
ص:  >  >>