للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال أحمدُ بنُ محبوب الرَّملي: سمعتُ النسائي يقول: لما عزمت على جمع السُّنن؛ استَخَرْتُ الله في الرّواية عن شيوخ كان في القلب منهم بعض الشيء، فوقعتِ الخيرة على تركهم، فتَرَكْتُ جملةً من الحديث كنتُ أعلو فيه عنهم.

قال الحافظ أبو طالب أحمدُ بنُ نَصْر شيخُ الدَّارقطني: مَنْ يصبر على ما يصبر عليه النسائي؟! كان عنده حديثُ ابن لَهِيعةَ ترجمةً ترجمةً، فما حَدَّثَ عنه بشيء (١).

قال الحافظ ابن حجر: وكان عنده عاليًا عن قتيبة، عنه، ولم يُحَدِّثْ به؛ لا في السنن ولا في غيرها.

فقد ظهرَ ممَّا سلف أنَّ للإمام النسائي انتقاء في الرّجال.

* منهجه في ترتيب الأحاديث وتبويبُه عليها بتراجم فقهية:

وأمَّا منهجه في ترتيب الأحاديث والتبويب عليها بتراجم فقهية وتكرارها وذِكْرِ عللها والاختلافِ على بعض الرُّواة في الإسناد أو في اللفظ … وغير ذلك، فله فيه مسلك خاص.

وقد أبانَ النَّسائيُّ عن فقهه بكلامه على الأحاديث، وبما تَرْجَمَ لها من أحكام مُستفادة ومُستنبطة منها، وقد أشارَ الحاكم إلى دِقَّةِ استنباطه للأحكام الفقهية، فقال: أما كلامه على فقه الحديثِ فأكثر من أنْ يُذكر في هذا الموضع. وقال أيضًا: ومَنْ نظر في كتاب السنن له تَحَيَّرَ في حُسن كلامه!. اهـ.

مثاله: ما رواه عن أبي هريرة (٥٦١٠) في مَجِيئه للنَّبِيِّ عِندَ فِطْرِهِ بِنَبِيذٍ صَنَعَهُ له في دُبَّاءٍ، فَوَجَدَهُ يَنشُ، فقال: "اِضْرِبْ بهذا الحائط، فإِنَّ هذا شَرابُ مَنْ لا يُؤْمِنُ بالله واليوم الآخر".

ثم قال النسائي بإثره: في هذا دليل على تحريم المُسْكِرِ قليله وكثيره، وليس كما يقولُ المُخادِعُون لأنفسهم بتحريم آخِرِ الشَّرْبَة، وتحليلهم ما تَقَدَّمَها الذي يُشربُ في


(١) سلف كلام ابن محبوب الرّملي وأبي طالب بن نصر في ترجمة الإمام النسائي (ذكر تحريه في الرواية وورعه) ص ٢٤ - ٢٥.

<<  <  ج:
ص:  >  >>