الفَرَقِ قبلها، ولا خلاف بين أهل العلم أنَّ السُّكْرَ بكلِّيَّتِه لا يحدثُ على الشَّرْبَةِ الآخِرَةِ دون الأولى والثانية بعدها وبالله التوفيق.
وعَقَدَ بابًا أواخر كتاب الأشربة، فقال: ذِكْرُ الأخبار التي اعْتَلَّ بها مَن أَباحَ شرابَ السَّكَر. ثم أخرجَ (٥٦٧٧) عن هَنَّادِ بن السَّرِي، عن أبي الأَحْوَص، عن سِمَاك، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي بُرْدَةَ بن نِيار، مرفوعًا:"اشْرَبُوا في الظُّروف ولا تَسْكَرُوا". ثم قال النسائي: وهذا حديث منكر، غلط فيه أبو الأحوص سَلَّامُ بنُ سُلَيْم، لا نعلمُ أنَّ أحدًا تابعه عليه من أصحاب سِماكِ بن حَرْب، وسِماك ليس بالقوي، وكان يقبلُ التَّلقين، قال أحمد بن حنبل: كان أبو الأحوص يُخطئ في هذا الحديث. انتهى.
وقال النسائي: وممَّا اعتلُوا به حديث عبد الملك بن نافع، عن عبد الله بن عمر، مرفوعًا (٥٦٩٤): "إذا اغْتَلَمَتْ عليكم هذه الأوعية فاكْسِرُوا مُتُونَها بالماء". ثم قال النَّسائي: عبد الملك بن نافع ليس بالمشهور، ولا يُحتج بحديثه، والمشهور عن ابن عُمر خلاف حكايته. انتهى.
ثم أخرجَ (٥٦٩٨ - ٥٧٠١) من طريق كل من ابن سيرين ونافع وسالم بن عبد الله وأبي سلمة، عن عبد الله بن عُمَرَ، مرفوعًا؛ المعنى واحد:"كلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ". ثم قال: وهؤلاء أهلُ الثَّبَت والعدالة مشهورون بصحة النقل، وعبد الملك (يعني ابن نافع) لا يقومُ مَقامَ واحدٍ منهم ولو عاضَده من أشكاله جماعة، وبالله التوفيق.
* وقد تفاوتت تراجمُ الكتاب في استنباط الأحكام الفقهية من الأحاديث:
فمنها ما هو ظاهر الاستنباط، ومنها ما هو خَفِيُّ الاستنباط دقيقه.
فالأول - وهو ما استنباطه ظاهر - غالب تراجم الكتاب، ويمكن ملاحظته بيُسْر، وفي هذه الحالة قد يُكَرِّرُ النَّسائي الحديثَ، فيذكرُه من طرق مختلفة، ويُترجم لكلِّ منها بأحكام مفصَّلة؛ هي بمجموعها ظاهرة في أحد طرقه ويمكن إجمالها فيه، لكنَّه يُفيد في هذا العرض والتكرار ذِكْرَ عددٍ من طرق الحديث.