للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحديثِ اختصارًا لطيفًا، فذكر منها واحدًا، وأوْمأ إلى ما عداه، وبَيَّنَ أمْرَ كلِّ حديث مِن أنه صحيحٌ أو حَسَنٌ أو ضعيف أو منكر، وبَيَّنَ وَجْهَ الضَّعف، ليكون الطالب على بَصِيرَةٍ من أمره، فيعرف ما يَصْلُحُ للاعتبار وما لا يصلح، وذكر أنه مستفيض أو غريب، وذَكَرَ مذاهب الصحابة وفقهاء الأمصار، وسَمَّى مَنْ يحتاجُ إلى التّسمية، وكنَّى مَنْ يحتاجُ إلى الكُنية، ولم يَدَعْ خَفَاءً لمن هو من رجال العلم، ولذلك يُقال: إنه كافٍ للمجتهد، مُغْنٍ للمُقَلِّد.

وأمَّا النَّسائي؛ فقد اعْتَنَى بكثرةِ الطُّرقِ واختلافِ النَّاقِلين، قال فيه أبو عبد الله بن رشيد (١): كتاب النسائي أبدعُ الكتب المصنفة في السنن تصنيفًا، وأحْسَنُها تَرْصِيفًا، وكأنَّ كتابَهُ جامع بين طريقتي البخاري ومسلم مع حَظٍّ كبيرٍ من بيان العِلل، وفي الجملة؛ فكتاب النسائي أقل الكتب بعد الصَّحيحَيْنِ حديثًا ضعيفًا ورجلًا مجروحًا.

وقال ابن خلدون في تاريخه ١/ ٧٩٣: قد استدرك الناسُ على البخاري ومسلم، ثم كَتَبَ أبو داود السجستاني وأبو عيسى الترمذي وأبو عبد الرحمن النسائي في السنن بأوسعَ من الصحيح، وقصدوا ما توفرت فيه شروط العمل، إما من الرتبة العالية في الأسانيد، وهو الصحيح كما هو معروف، وإما من الذي هو دونه من الحَسَن وغيرِه، ليكون ذلك إمامًا للسنة والعمل، وهذه هي الأسانيد المشهورة في الملة، وهي أمهات كُتُبِ الحديث في السنة، فإنها وإن تعددت ترجع إلى هذه في الأغلب.

* غالبُ أحاديث السنن صحيحٌ أو حَسَنٌ؛ لذاته أو لغيره:

وهذه السُّنَنُ دَرَجَ بعضُ الناس على تسميتها بالصِّحاح، ونُوزعوا في ذلك، فذكر ابن الصَّلاح أنَّ الخطيب أطلق اسم الصَّحيح على كتابي الترمذي والنسائي، وأنَّ


(١) فيما نقله عنه الحافظ ابن حجر في "النكت على ابن الصلاح" ١/ ٤٨٤، والسيوطي في مقدِّمة "زَهْر الرُّبى على المُجتبى". وابن رشيد هذا هو محمد بنُ عُمر بن محمد بن عُمر الفهري السَّبْتي، مَهَرَ في الحديث، وله فيه مؤلفات مفيدة، توفِّي بفاس سنة ٧٢١ هـ. مترجم في "الدرر الكامنة" ٤/ ١١١.

<<  <  ج:
ص:  >  >>