للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويُمكن أن نذكر باختصار ما يُميِّزُ كلَّ كتاب من هذه الكتب السَّنّة، وما قصد إليه مؤلّفه.

فأمَّا البخاري (١) فكان غَرَضُهُ تجريدَ الأحاديثِ الصحاح المتصلة من غيرها، واستنباط الفِقْهِ والسِّيرة والتفسير منها، وقد وَفَّى بما شَرَط، ونال كتابه من الشُّهْرةِ والقبولِ درجةً لا يُرامُ فوقها.

وأما مسلم؛ فقد تَوَخَّى تجريدَ الصَّحاحِ المُجْمَعِ عليها بين المحدِّثين، المتّصلة المرفوعةِ ممَّا يُستنبط منه السُّنَّة، وأرادَ تقريبها إلى الأذهان، وتسهيل الاستنباط منها، فرَتَّبَ ترتيبًا جيّدًا، وجمعَ طُرُقَ كلَّ حديث في موضع واحد، ليَتَّضِحَ اختلافُ المُتون وتشعُبُ الأسانيد أصرح ما يكون، وجَمَعَ بين المُختلِفات، فلم يَدَعْ لمن له معرفةٌ بلسان العرب عُذرًا في الإعراض عن السُّنَّةِ إلى غيرها.

وأما أبو داود؛ فكانت هِمَّتُهُ جَمْعَ الأحاديثِ التي استدل بها الفقهاء ودارَتْ فيهم، وبَنَى عليها الأحكام علماء الأمصار، فصنَّف "سُنَنَه"، وجَمَعَ فيها الصَّحيحَ والحَسَنَ واللَّيِّنَ والصَّالِحَ للعمل عنده.

قال أبو داود: ما ذكرتُ في كتابي حديثًا أجْمَعَ الناسُ على تَرْكِه.

وما كان منها ضعيفًا صَرَّحَ بِضَعْفِه، وما كانَ فيه عِلَّةٌ بَيْنَهَا بِوَجْهِ يعرفُهُ الخائضُ في هذا الشأن، وتَرْجَمَ على كلِّ حديث بما قد استنبط منه عالِمٌ وذَهَبَ إليه ذاهب، ولذلك صَرَّحَ الغزالي وغيره بأنَّ كتابه كافٍ للمجتهد.

وأمَّا التّرمذي؛ فكأَنَّه استحسن طريقة الشيخين حيثُ بَيَّنا وما أَبْهَما، وطريقةً أبي داود حيث جمعَ كلَّ ما ذهب إليه ذاهب، فجمع كلتا الطَّريقتين، وزاد عليهما بيان مذاهبِ الصَّحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، فجمع كتابًا جامعًا، واختصر طُرُقَ


(١) نُقل ما يتعلق بالصحيحين وسُنن أبي داود وسنن الترمذي من كتاب "الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف" للدهلوي ص ٥٤ - ٥٥.

<<  <  ج:
ص:  >  >>