للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد ذهبوا في مرحلة تدوينها وتصنيفها مَذَاهِبَ شتّى، كُلٌّ حَسَبَ الغاية التي تَغَيَّاها منها، فمنهم من رَتَّبَها حسب المسانيد، وذلك بذكر أحاديثِ كل صحابي على حدة، وأشهر هذه المسانيد "مسند" الإمام أحمدَ بن حَنْبَل (١).

ومنهم مَن جَعَلَها مُرَتَّبَةً حَسَبَ موضوعاتها وأبوابها، كما فعل الإمام مالك بن أنس في "مُوطَئه"، وجاء بعدَه مَنْ حَذَا حَذْوَهُ، ونَحَا نحوَه مِن كبار الحُفَّاظ والمُحَدِّثين، وفي مقدِّمتهم إمامُ الصَّنْعَةِ الإمام البخاري، أمير المؤمنين في الحديث، وتلميذه الإمام مسلم، صاحبا "الصَّحيحَيْن"، ثم أصحاب السنن: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، جميعًا (٢).

وقد اشتملت هذه الأصولُ السِّتَّةُ على أحكام الإسلام وآدابه، وشرائعه وتوجيهاته، وهذا ما يُفَسِّرُ لنا العناية الكبرى والحفاوة البالغة التي لَقِيَتْها هذه الكتب، فقد تلقَّاها العلماء بالقبول، واعتنى بها المحدِّثون والفقهاء طبقةً بعد طبقة، واشْتَهَرَتْ فيما بينَ الناس، وتعلَّق بها القومُ شرحًا لِغَرِيبها، وفَحْصًا عن رجالها، واستنباطًا لفِقْهها، وجَمْعًا لمتونها، وتهذيبًا لها.

على أنَّ للصحيحَيْنِ مِن المَزايا ما ليسَ لِغيرِهِما من السنن الأربعة، فالبخاري ومسلم لم يُثبتا في كتابيهما من الأحاديث إلا ما جَزَما بصحته، وثبت عندهما نقله، ولم يشترط ذلك أصحاب السنن، وإن كانوا في الأغلب - عدا ابن ماجه - قد أشاروا إلى كثير مِن العِلَلِ التي اعْتَوَرَتْ بعض الأسانيد عندهم، وكلُّ واحدٍ من هؤلاء الأئمة كان له مَقْصِدٌ في تصنيفه، ومنهج في تأليفه، وغَرَضٌ تَوَخَّاه يَتَمَيَّزُ به عمَّن سواه.


(١) أكرم الله تعالى مؤسسة الرسالة بخدمته، فعُنِيَ بتحقيقه وتخريج طرق أحاديثه والحكم عليها الشيخ شعيب الأرنؤوط - رحمه الله تعالى - وصحبه الكرام حفظهم الله، وقد بسط القولُ في هذا النوع من التأليف في مقدمته.
(٢) ومنهم من رتَّبَها بطريقة المعجم وغيرها، ينظر بسط ذلك في كتاب "الحصّة في ذكر الصحاح الستة" لصدِّيق حسن خان ص ١١٨ - ١٢٨.

<<  <  ج:
ص:  >  >>