قلت: وأمَّا شذوذ لفظه، فالظاهر - والله أعلم - أنَّه جاء من قِبَل عمرو بن علي - شيخ المصنَّف - فقد وقع في روايته هنا أنَّ آية الفرقان نزلت بعد آية النساء، وقد أخرجه أبو داود (٤٢٧٢) عن مسلم بن إبراهيم، بهذا الإسناد. وجاء لفظه عنده على الجادة؛ أي: أنَّ آية النساء نزلت بعد آية الفرقان بستة أشهر. وتابعَ خالدَ بن عبد الله الواسطي في إسناده ابنُ أبي الزناد - وهو عبد الرحمن - فرواه - فيما أخرجه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" (٤٨٩)، والطبراني في "المعجم الكبير" (٤٩٠٥) - عن أبيه، أنَّ عوف بن مجالد الحضرمي أخبره - وكان امرأ صِدقٍ - قال: أخبرني - ونحن عند خارجة بن زيد بن ثابت - قال: قلت لزيد بن ثابت … فذكره. ويُؤيِّد عدم ذكر خارجة بن زيد في الإسناد ما رواه سفيان بن عُيينة - فيما أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ١٦٨، وسعيد بن منصور في "سننه" (٦٦٧ قسم التفسير)، والطبري في "تفسيره" ٥/ ٢٢٠ و ٢٢٠ - ٢٢١، وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" ص ٢٩٢ - عن أبي الزناد قال: سمعتُ رجلًا يُحدِّث خارجة بن زيد قال: سمعتُ أباك في هذا المكان بمنى يقول … فذكره. وهذا الرجل هو مجالد بن عوف. قلت: ولا يُستبعد أن يكون لأبي الزناد في هذا الأثر إسنادان، فيرويه مرَّةً عن مجالد بن عوف، عن زيد بن ثابت. ويرويه أخرى - كما في الرواية السابقة - عن خارجة بن زيد، عن أبيه. قال السِّندي: قوله: "أشفَقْنا منها" أي خِفْنا من الشِّدَّة التي فيها. "فنزلت الآية التي في الفرقان" للتخفيف علينا، وهذا يُفيد خلاف ما ذكره ابن عباس، والجمع مُمكِنٌ بأنَّه بلَغَ بعضًا إحدى الآيتين أولًا، ثم بلَغَتْهم الثانية، فظنُّوا التي بلغَتْ ثانيًا أنَّها نزلت ثانيًا، إِلَّا أَنَّ روايات هذا الحديث في نفسها متعارضة، فالاعتماد على حديث ابن عباس، والله أعلم.