للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الحافظ أبو الفضل العراقيُّ: وهذا مذهبٌ متَّسِعٌ.

وقال الحافظ أبو الفضل بن حَجَر في "نُكَتِه" على ابن الصلاح: ما حكاه عن الباوَرْديّ، أنَّ النَّسائي يُخرجُ أحاديث مَنْ لم يُجْمَعُ على تركه؛ فإنَّه أراد بذلك إجماعًا خاصًّا، وذلك أنَّ كلَّ طبقة من نُقَادِ الرِّجال لا تَخْلُو من متشدِّدٍ ومتوسِّط:

فمن الأولى: شعبه وسفيان الثوري، وشعبة أشد منه.

ومن الثانية: يحيى القطَّانُ وعبد الرحمن بنُ مَهْدِيّ، ويحيى أشدُّ من عبدِ الرحمن.

ومن الثالثة: يحيى بنُ مَعِين وأحمد بن حنبل، ويحيى أشَدُّ من أحمد.

ومن الرابعة: أبو حاتم والبخاري، وأبو حاتم أشدُّ من البخاري.

فقال النسائي: لا يُتْرَكُ الرَّجلُ عندي حتى يجتمع الجميعُ على تركه، فأَمَّا إِذا وَثَّقَهُ ابن مَهْدِي وضَعَفَهُ يحيى القطان مثلًا، فإنه لا يُتْرَكُ؛ لِمَا عُرِفَ من تشديد يحيى، ومَنْ هو مثله في النقد؟ (١).

قال الحافظ ابن حجر: وإذا تَقَرَّرَ ذلك ظهرَ أنَّ الذي يتبادر إلى الذِّهن من أنَّ مذهبَ النَّسائي في الرِّجال مذهب متَّسعٌ؛ ليس كذلك، فكم من رجل أخرج له أبو داود والترمذي تَجَنَّبَ النَّسائي إخراج حديثه، بل تَجَنَّبَ النَّسائي إخراج حديث جماعة من رجال الصَّحيحين، فحَكَى أبو الفضل ابن طاهر قال: سألتُ سَعْدَ بنَ عليّ الزَّنْجانيَّ عن رجلٍ، فوثَّقَه، فقلتُ له: إنَّ النَّسائي لم يحتج به، فقال: يا بُنيَّ، إِنَّ لأبي عبدِ الرَّحمن شرطًا في الرِّجال أشدَّ من شرط البخاري ومسلم.


(١) مثاله ما أخرجه النسائي (٢٩٩٣) عن إسحاق بن إبراهيم، عن أبي قُرَّةَ موسى بن طارق، عن ابن جريج، عن عبد الله بن عُثمانَ بن خُثَيْم، عن أبي الزبير، عن جابر، أنَّ النَّبِيَّ حين رَجَعَ من عُمرة الجِعْرَانةِ بعثَ أبا بكر على الحج … الحديث، وقال بإثره: ابن خُثَيْم ليس بالقوي في الحديث، وإنَّما أخرجتُ هذا لئلا يُجعل: ابن جريج، عن أبي الزبير، وما كتبناه إلَّا عن إسحاقَ بن إبراهيم، ويحيى بن سعيد القطان لم يترك حديث ابن خُثَيْم ولا عبدُ الرَّحمن (يعني ابن مهدي)، إِلَّا أنَّ عليَّ بنَ المَدِيني قال: ابن خُثيم منكر الحديث. وكأنَّ عليَّ بْنَ الْمَدِينِي خُلِقَ للحديث.

<<  <  ج:
ص:  >  >>