أنا مقرٌّ ببطلان ما ادَّعيتَ، وإِن قال: صَدَق، أو: بلى، أو: نعم، أو: أجل، أو قال: أنا مقرٌّ بما ادَّعيتَ، أو: أقرُّ بما ادَّعيتَ، لزمه ذلك؛ لوجود صرائح الإقرار.
وخالف القاضي في قوله: أنا أقرُّ بما ادَّعيت؛ لإِمكانِ حمله على الوعد بالإِقرار، وفرَّق بينه وبين لفظ الشهادة، فإِنَّها لا تُحمل على الوعد؛ لقرائن الأحوال وعُرْف الاستعمال، ولما في لفظها من التعبُّد، ولذلك لو قال الشاهد: أعلم وأتيقَّن، لم يُقبل على الأصحِّ، وهذا ممَّا انفرد به، والقرائن أيضًا تصرِف هذا اللفظ إِلى الإِقرار، وإِن جاز حمله على الوعد فالقياسُ أنَّ الوعد بالإِقرار إِقرار، كما جَعَلَ الجمهور التوكيل بالإِقرار إقرارًا.
* * *
١٨٦٠ - فصل في نكول المدَّعى عليه
إِذا سكت بعد الدعوى، أو قال: لا أقرُّ ولا أنكر، كان ذلك كالتصريح بالإِنكار، فإِن أصرَّ عليه حُكم بنكوله، ورُدَّت اليمين على خصمه، ولا يبادر الحاكم إِلى ردِّ اليمين حتَّى يغلب على ظنه النكول، ويأخذ في ذلك بقرائن الأحوال؛ لأنَّ سكوته قد يكون عن دهشة أو تأنٍّ أو هيبة، وقد يكون للنكول والامتناع، وحسُن أن يقول له: إِن تماديتَ على السكوت حكمتُ بنكولك، وحلَّفتُ خصمك. والأَولى ألا يحكم بنكوله حتَّى يعرض اليمين عليه ثلاثًا، وتكفي العرضة الواحدة.
فإِن قال: أنظروني حتَّى أفكِّر وأراجع الحساب، لم نُمْهِله.
وإن صرَّح بالنكول، أو قال: لا أحلف، أو ظهر للحاكم أنَّ سكوته