من الواضح أنّ الإمام العز كان كلِفًا بكتاب "نهاية المطلب"، فقد اختصره في "الغاية"، وشرع في كتاب يجمع بينه و"الحاوي" للماورديّ أسماه "الجمع بين الحاوي والنهاية"، لكنّه لم يكمل، ولشدّة عنايته بـ "نهاية المطلب" وإعجابه وولعه وعنايته بها، كان العز رحمه الله تعالى سريع القراءة لها، لا يفوته من معانيها شيء، ويبدو أنّ المداومة على قراءتها، وتكرار ذلك، وإتاحة تقليب النظر فيها مرارًا، جعله مميِّزًا لِمُشكِلِها، هاضمًا لنصوصها، عارفًا ببيان الراجح والمرجوح منها، حتى إنّه كان يقرأ "نهاية المطلب" المطبوع في عشرين مجلّدًا في ثلاثة أيام؛ يشهد لذلك ما ورد في "ذيل تذكرة الحفاظ" للحسيني (٥/ ٢٠٢): "قال شيخنا الحافظ برهان الدين سبط ابن العجميّ:
وحُكيَ لي أنَّ الشيخ بهاء الدين بنَ عقيل حكى له عن قيِّم مسجد النارنج (١) بالقرافة أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام كان يخرج إلى المسجد المذكور يوم الأربعاء، ومعه "نهاية إمام الحرمين" فيمكث بالمسجد يوم الأربعاء ويوم الخميس ويوم الجمعة إلى قبيل الصلاة، فينظر في هذا الوقت "النهاية".
قال: الشيخ بهاء الدين وأنا أستبعد ذلك، فقال الشيخ سراج الدين البُلْقيني: ولا أستبعد لأنّ الشيخ عز الدين لا يُشكل عليه منها شيء، ولا يحتاج إلى أن يتأمَّل منها إلا شيئًا قليلًا أو ما هذا معناه، وأنا أنظر مجلدًا في يوم واحد.
(١) يصفه المقريزي في خططه ويقول: سُمِّي مسجد النارنج لأنَّ نارنجه لا ينقطع أبدًا.