إذا قدم الحاكمُ وتصدَّى للحكم، تحتِّم عليه البدايةُ بالمحبَّسين، فيحضرهم، فمن أقر أنَّه حُبس بحقٍّ، ردَّه إلى الحبس، ومن ادَّعى أنَّه حُبس ظلمًا، وجب إطلاقُه عند القاضي حسين، وقال الجمهور: يُسأل عن خصمه، فإن ذكره أحضره، وأمره أن يستأنفَ الدعوى، ويجري فيها على ترتيب الخصومات، فإن لم يُقم عليه بَيِّنة، أطلقه؛ فإنَّ الحبسَ يكون بالحقِّ والباطل، والتعزير والتأديب.
فعلى هذا: لو وجد محبوسًا لا يُعرف خصمُه، نادى عليه أيَّامًا إلى حدِّ الإشاعة: أن فلان بن فلان محبوس، فمن خصمُه؟ ولا يُطاف به في تلك الأيَّام، ولا يُحبس ولا يُخلَّى، بل يُنصب عليه رقيب، ثم يُطلق بعد مدَّة الإشاعة، ويُؤخذ منه كفيلٌ ببدنه، فإن امتنع، لم يُحبس على الأصحِّ، ولو قال: حُبست ظلمًا، وخصمي غائب، ولو حبسناه لطال حبسه، فإنَّه يُطلق، وهل يُنصب عليه رقيب؟ فيه وجهان؛ لما في المراقبة من الأضرار.
ولا ينبغي للحاكم أن ينظرَ في قضيَّة تُرفع إليه حتَّى يفرغ من ذلك، ثمَّ ينظر في الأُمناء والقُوَّام، وما بأيديهم من أموال الأيتام، فإن أمكنه فصل خصومة في أثناء ذلك من غير أن يختلَّ نظرُه فيه، فليفعل، وإلَّا فالبداية بالمحبَّسين، وأموال الأطفال، وإن استخلف فيما يسنح من الوقائع، واشتغل بهذين المهمَّين، فله ذلك حيث يجوز له الاستخلافُ.