إنَّ الحمد لله، نحمدُه، ونستغفره، ونستعينه، ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهْدِ اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضللْ فلا هادي له. وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هاديًا ومبشَرًا ونذيرًا. بلغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصحَ الأمّةَ فجزاهُ اللهُ خيرَ ما جزى نبيًّا من أنبيائه. صلواتُ اللهِ وسلامه عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى صحابته وآل بيته، وعلى من أحبهم إلى يوم الدين.
حمل سلفُ الأمّة راية الهداية فبلَّغوها كما سمعوها، فقطعوا الفيافيَ في تبليغ رسالة الإسلام، ورحلوا مشارق الأرض ومغاربها يُسْمِعون الحديثَ والأثرَ وَيسْمعونه، ويأخذون فقه الصحابة والتابعين ويتدارسونه، غير عابئين بوعثاء السفر، ولا قلّة حيلتهم، ولا يهدفون إلى جمع شيء من حطام الدنيا. بل أرادوا أن يبنوا بفعلهم هذا حضارة الإسلام ونظامه القائم على تشريع سماويٍّ لا يتغيَّر ولا يتبدَّل، فاستحقّوا بذلك أن يكونوا أعلام الموقِّعين عن ربّ العالمين، فكان من ذلك كلِّه أن ظهر في هذه الأمَّة أئمَّةٌ متبوعون، وأصحابٌ مجتهدون، رسموا للناس بعلمهم واجتهادهم نظام الإسلام في العبادات والمعاملات وأحكام الأسرة والقصاص والجنايات وأحكام