أسبابُ الحدود كبائرُ، وكل كبيرة لا ترجعُ إلى العقد فهي موجبةٌ لردِّ الشهادة إلى أن يُظْهِر مرتكبُها التوبةَ، ويُستبرأ بعدها بأن يُترك، ويوكَّل به مَنْ يراقبه في السرِّ والإعلان إلى أن تظهرَ مخايلُ صدقه، ويغلبَ على الظنِّ صحَّة توبته، فيُحكم من حينئذٍ بعدالته.
وقدَّر بعضُهم مدَّة الاستبراء بسنة، وقدَّرها آخرون بنصف سنة، والأصحُّ: أنَّها لا تتقدَّر إلَّا بما ذكرناه من ظهور مخايل الصدق، وأن يغلب على الظنِّ صحَّة التوبة، ويختلف ذلك عند الإمام باختلاف الأشخاص، فتقصر المدَّة في حقِّ من اعتاد الإعلان بأسراره، وتطول فيمَن اعتاد الإخفاءَ.
وتُردُّ شهادةُ القاذف إذا شهد قبل الحدِّ أو بعده، فإن تاب واستُبرئ، قُبلت شهادتُه.
قال الشافعيُّ: وتوبتُه إكذابُه نفسَه، فشرط الإصطخريُّ أن يُكذب نفسَه وإن كان صادقًا، ولا أصلَ لما ذكره، وحمل الجمهورُ ذلك على أن يقولَ: أسأتُ فيما قلت، ولم أكن محقًّا، وقد تبتُ عن الرجوع إلى مثله أبدًا، ولا يصرَّح بتكذيب نفسه إلَّا أن يعلمَ أنَّه كاذب.
وفي استبراء القاذف نصَّان، فقيل: هما قولان؛ لجواز صدقه في