لأنَّها إنما تُشترط إلى مشهود عليه تعلَّقت به الدعوى، أو إلى مشهود له هو الطالبُ، ولا يتحقَّق هذا في التزكية؛ فإنَّ الشاهدَ لا يدَّعي شيئًا حتَّى يشهدَ المزكِّي به، ولا يُدَّعَى عليه حقٌّ حتَّى يشهدَ عليه، ولا بدَّ في التزكية من لفظ الشهادة إلَّا أن نكتفيَ بقول الرسولين، ففي اشتراط لفظ الشهادة وجهان.
وكتابة الرقاع مستحبَّة، فإن سألهما الحاكمُ عن العدالة مشافهةً، جاز، فإن لم يكن عندهما علمٌ، استُمهلا لينظرا، وذكرُ قدر الحقِّ احتياطٌ عند المُعْظم، وأبعد مَنْ شرطه.
ولا بدَّ من تعريفهما بالخصمين والشاهدين، فقد يكون بينهما وبين الخصم عداوةٌ أو لددٌ في خصومة، أو يكون بينهما وبين المدعي ما يوجب ردَّ الشهادة؛ كالشركة والأبوة، فإن لم يتعرَّض لذلك، فزكَّياهما، ثبتت العدالةُ، وعلى الحاكم البحثُ عن هذه الموانع.
[٣٨٦٢ - فرع]
إذا ثبتت العدالةُ، فارتاب الحاكمُ بسبب يدركه ذوو الفطن، تحتَّم عليه البحثُ، فيفرِّقهم، وشمال كلَّ واحد منهم على الانفراد عن الزمان والمكان، ومن كان معه وقتَ التحمُّل، فإن قال: أنا أتحقَّق ما شهدت به، ولا أذكر زمانَه، ولا مكانَه، لم يملك إجبارَه على الإخبار بذلك، فإن دامت ريبتُه، بحث عن أسباب أُخرَ لعلَّه يقف على جَرْح، فإن لم يقف عليه، لزمه القضاءُ مع بقاء الرِّيبة، وإن حكم قبل البحث، لم ينفذ حكمُه؛ لأنَّ البحثَ حقٌّ لله تعالى لا يقف على طلب الخصم كأصل الاستزكاء.