انتقاض العهد قولان، فإن قلنا: ينتقضُ، ففي تبلُّغ المأمن قولان مرتِّبان على القولين في جنايتهم على أهل الإسلام، وأولى بالتبليغ؛ لعُذْرهم، فإن شرط عليهم الإمامُ في عقد الذمَّة أَلَّا يقاتلوه، فقاتلوه عن جهل، ففي انتفاض العهد وجهان؛ لأنَّ الشَرطَ محمولٌ على العَمْد دون الجهل.
الرابعة: أن يقولوا: عرفنا أنَّكم على الحقِّ، وظنَنَّا أن المسلمين إذا تفرَّقوا، أو استعانت بنا إحدى الطائفتين، لزمنا الذَّبُّ عن الناحية التي نحن ساكنوها، فينتقض العهدُ، وأبعد مَنْ طرد القولين.
ومهما انتقض عهدُهم إذا تعمَّدوا، وانتفى عذرُهم، فلا خلافَ في قتلهم منهزمين، وإسقاطِ الضمان عمَّا يتلفونه بعد إظهار القتال، وأمَّا صُوَرُ العُذْر والجهل؛ فإن قلنا بانتقاض العهد فيهنَّ؛ فإن قلنا: لا يُبلَّغون المأمن، ذُفِّف على جرحاهم (١)، وقُتلوا في الإقبال والإدبار، وإن قلنا: يُبلَّغون المأمن، ففي قتلهم منهزمين وجهان، والمذهب: أنَّهم يضمنون ما يتلفون بالقتال، وفيه وجه لا يصحُّ؛ إذ كيف يبقى الأمانُ في حقِّنا، ولا يبقى في حقهم؛ فإن قلنا: لا ينتقضُ العهدُ في صور العذر والجهل، فالذمَّة بحالها، فيقاتلون قتالَ البغاة، فلا يتبع منهزِمُهم، ولا يذفَّف على جريحهم، ويضمنون ما يتلفونه بالقتال اتِّفَاقًا، ويجب عليهم القصاصُ إن أوجبناه على البغاة، وإن لم نوجبه، فوجهان.