كان الامتناعُ بالهرب، لم ينتقض، وإن اعتمدوا على قوَّة وعُدَّة، دعوناهم إلى الانقياد، فإن أبوا، هَمَمْنا بهم، فإن انقادوا، أُجريت عليهم الأحكامُ، وإن قاتلوا، انتقض العهدُ بالقتال، ولم يذكر القاضي في هذا القسم سوى القتال.
الثالث: أن يمتنعوا من أداء الجزية مع التمكُّن، فإن أطال أحدُهم المطالَ بغير عذر، انتقض عهدُه على مقتضى إطلاق الأصحاب؛ فإنَّ الجزية عِوَض عن تركنا القتال، بخلاف الامتناع من سائر الديون، ويتَّجه ألَّا ينتقضَ إن كان تحت قهرنا، ولم يفرِّقوا بين أن يمتنعَ ممَّا استقرَّ عليه من الجزية عمَّا مضى، وبين أن يمتنعَ من الماضي، والمستقبل.
القسم الثاني: ما يعظم ضررهُ على المسلمين؛ مثل أن يطأ أحدُهم مسلمةً بزنًا، أو اسم نكاح، أو يُؤوي عينًا لأهل الحرب، أو يكاتبهم بأسرارنا، أو يطلعهم على عوراتنا، أو يفتن مسلمًا عن دينه، فلا يشترط أن يذكر الكفُّ عن هذه الأشياء في العقد اتِّفاقًا، وفي انتقاضه بها أوجهٌ:
أحدُها: ينتقض وإن شرطنا أنه لا ينتقض.
والثاني: لا ينتقضُ وإن شرطنا الانتقاضَ.
والثالث: لا ينتقضُ إلَّا أن نشرط الانتقاضَ، وإن قتلوا قتلًا يوجب القصاصَ، أو قطعوا الطريقَ من غير منابذة، ومفارقة للمسلمين، ففيه الأوجهُ الثلاثة عند جمع من المحقِّقين، ولم يذكره آخرون، فينبغي أن يلحقَ بالقسم الأوَّل، ولا قائلَ بأنَّ العقد لا ينتقض إلَّا أن ينقضَه الإمام، فإن شرط ذلك عليهم، لم يبعد تصحيحُ الشرط.