في عصرنا الحاضر، ولم يقتصر على بيان الحكم الشرعي للأفراد، إنْ وجّه إليه سؤال في العبادات، أو عرضت له قضية في الزواج والطلاق والميراث، وإنّما كان مفتيًا في كلّ أحكام الشرع، وكلّ مشتملات الفقه الإسلامي، وكانت توجّه إليه الأسئلة من الأقاليم والأطراف والبلدان، ويبين حكم الشرع في كلّ ما يستجدّ من أحداث وقضايا ووقائع حتّى في أمور الجهاد والحرب والقتال وجباية الأموال، ومبايعة الخليفة وتعيين الأمراء والسلاطين.
وفوق كلّ ذلك لم يكن العزّ مفتيًا لتسويغ التصرفات المنحرفة أو الجائرة على الشعب، وتأييد الحكام والأمراء بالأحكام الشرعية التي توافق هواهم، أو تتفق مع آرائهم السياسيّة، كما لم يقتصر على السكوت بغية السلامة، كما يفعل مفتو اليوم، بل كان الشيخ عزّ الدين مفتيًا لبيان الحكم الشرعي الإلهي السماوي فيما يخصّ الدولة والأمّة والوطن والشعب والأفراد، ويبيّن حكم الله ودينه في كل ذلك، سواء وافق هوى الحاكم أم خالفه، فالحقّ والشرع والدين فوق الخلفاء والحكّام والسلاطين والأمراء، ومقدمة عليهم، وهي الأصل لتكون متبوعة، لا تابعة، ويكون الشعب والحكّام من ورائها ملتزمين وتابعين ومنفّذين، ويكون العلماء والدعاة والمفتون مراقبين على صحّة التطبيق والتنفيذ.
ومن هنا فحُقَّ للعزّ أن يوصف بجدارة بأنّه "مفتي الشام" وأنْ "يقصده الناس بالفتاوى من الآفاق" وأنْ يكون "سلطان العلماء" وأنْ تكون له "الفتاوى السديدة" وأنْ يُخلد اسمه، وتبقى ذكراه عطرة على مرّ التاريخ، وأن يكون شعارًا لمدرسة إسلامية متميزة في العالم، وفوق كلّ ذلك أنْ ينال الأجر