ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ [الْبَقَرَة: ٨٥] وَقَوْلِ الْعَرَبِ: قَتَلَتْ هُذَيْلٌ رَضِيعَ بَنِي لَيْثٍ تَمَّامَ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
وَجَعَلَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ الضَّمِيرَ الْمَنْصُوبَ فِي جَعَلْناها عَائِد إِلَى السَّماءَ الدُّنْيا عَلَى تَقْدِيرِ: وَجَعَلْنَا مِنْهَا رُجُومًا إِمَّا عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ. وَإِمَّا عَلَى تَنْزِيلِ الْمَكَانِ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ الرُّجُومُ مَنْزِلَةَ نَفْسِ الرُّجُومِ فَهُوَ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٦٦] وَلَكِنَّهَا عَلَى جَعْلِ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ رَاجِعًا إِلَى الْقَرْيَةِ وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ فِي تِلْكَ الْآيَةِ وَلَكِنَّهَا ذُكِرَتْ فِي آيَةِ سُورَة الْأَعْرَاف [١٦٣]
وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ وَقِصَّتُهَا هِيَ الْمُشَارُ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ [الْبَقَرَة: ٦٥] فَالتَّقْدِيرُ: فَجَعَلْنَا مِنْهَا، أَيْ مِنَ الْقَرْيَةِ نَكَالًا، وَهُمُ الْقَوْمُ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ [الْبَقَرَة: ٦٥] .
وَالشَّيَاطِينُ هِيَ الَّتِي تَسْتَرِقُ السَّمْعَ فَتَطْرُدُهَا الشُّهُبُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ.
وَأَصْلُ أَعْتَدْنا أَعْدَدْنَا أَيْ هَيَّأْنَا، قُلِبَتِ الدَّالُ الْأُولَى تَاءً لِتَقَارُبِ مَخْرَجَيْهِمَا لِيَتَأْتَّيَ الْإِدْغَامُ طَلَبًا لِلْخِفَّةِ.
والسَّعِيرِ: اسْمٌ صِيغَ عَلَى مِثَالِ فَعِيلٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنْ: سَعَّرَ النَّارَ، إِذَا أَوْقَدَهَا وَهُوَ لَهَبُ النَّارِ، أَيْ أَعْدَدْنَا لِلشَّيَاطِينِ عَذَابَ طَبَقَةٍ أَشَدُّ طَبَقَاتِ النَّارِ حَرَارَةً وَتَوَقُّدًا فَإِنَّ جَهَنَّمَ طَبَقَاتٍ.
وَكَانَ السَّعِيرُ عَذَابًا لِشَيَاطِينِ الْجِنِّ مَعَ كَوْنِهِمْ مِنْ عُنْصُرِ النَّارِ لِأَنَّ نَارَ جَهَنَّمَ أَشَدُّ مِنْ نَارِ طَبْعِهِمْ، فَإِذَا أَصَابَتْهُمْ صَارَتْ لَهُمْ عَذَابًا.
وَتَسْمِيَةُ عَذَابِهِمُ السَّعِيرِ دُونَ النَّارِ، أَوْ جَهَنَّمَ مُرَادٌ لِهَذَا الْمَعْنَى وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي عَذَابِ الْجِنِّ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ [سبأ: ١٢] وَقَالَ إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ [فاطر: ٦] يَعْنِي الشَّيْطَانَ.
وَمَعْنَى الْإِعْدَادِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ إِعْدَادُ تَقْدِيرٍ وَإِيجَادٍ فَلَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ جَهَنَّمُ مَخْلُوقَةً قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إِعْدَادُ اسْتِعْمَالٍ، فَتَكُونُ جَهَنَّمُ مَخْلُوقَةً حِينَ نُزُولِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute