[سُورَة اللَّيْل (٩٢) : الْآيَات ٥ إِلَى ١١]
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠) وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (١١)
فَأَمَّا تَفْرِيعٌ وَتَفْصِيلٌ لِلْإِجْمَالِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى [اللَّيْل: ٤] فَحَرْفُ (أَمَّا) يُفِيدُ الشَّرْطَ وَالتَّفْصِيلَ وَهُوَ يَتَضَمَّنُ أَدَاةَ شَرْطٍ وَفِعْلَ شَرْطٍ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى: مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ، وَالتَّفْصِيلُ: التَّفْكِيكُ بَيْنَ مُتَعَدِّدٍ اشْتَرَكَتْ آحَادُهُ فِي حَالَةٍ وَانْفَرَدَ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ بِحَالَةٍ هِيَ الَّتِي يُعْتَنَى بِتَمْيِيزِهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فِي سُورَةِ الْفَجْرِ [١٥] .
وَالْمُحْتَاجُ لِلتَّفْصِيلِ هُنَا هُوَ السَّعْيُ الْمَذْكُورُ، وَلَكِنْ جُعِلَ التَّفْصِيلُ بِبَيَانِ السَّاعِينَ
بِقَوْلِهِ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى لِأَنَّ الْمُهِمَّ هُوَ اخْتِلَافُ أَحْوَالِ السَّاعِينَ وَيُلَازِمُهُمُ السَّعْيُ فَإِيقَاعُهُمْ فِي التَّفْصِيلِ بِحَسَبِ مَسَاعِيهِمْ يُسَاوِي إِيقَاعَ الْمَسَاعِي فِي التَّفْصِيلِ، وَهَذَا تَفَنُّنٌ مِنْ أَفَانِينِ الْكَلَامِ الْفَصِيحِ يَحْصُلُ مِنْهُ مَعْنَيَانِ كَقَوْلِ النَّابِغَةِ:
وَقَدْ خِفْتُ حَتَّى مَا تَزِيدُ مَخَافَتِي ... عَلَى وَعِلٍ فِي ذِي الْمَطَارَةِ عَاقِلِ
أَيْ عَلَى مَخَافَةِ وَعِلٍ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ إِلَخْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٧٧] .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [التَّوْبَة: ١٩] الْآيَةَ، أَيْ كَإِيمَانِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ.
وَانْحَصَرَ تَفْصِيلُ «شَتَّى» فِي فَرِيقَيْنِ: فَرِيقٍ مُيَسَّرٍ لِلْيُسْرَى وفريق مُيَسَّرٍ لِلْعُسْرَى، لِأَنَّ الْحَالَيْنِ هُمَا الْمُهِمُّ فِي مَقَامِ الْحَثِّ عَلَى الْخَيْرِ، وَالتَّحْذِيرِ مِنَ الشَّرِّ، وَيَنْدَرِجُ فِيهِمَا مُخْتَلِفُ الْأَعْمَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ فِي سُورَةِ الزَّلْزَلَةِ [٦- ٨] . وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ تَفْصِيلُ «شَتَّى» هُمْ مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، وَمَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى وَذَلِكَ عَدَدٌ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِشَتَّى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute