وَجُمْلَةُ: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ عَطْفٌ عَلَى الْخَبَرِ، أَيْ سَخِرَ مِنْهُمْ وَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالْعَذَابِ فِي الْآخِرَة.
[٨٠]
[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ٨٠]
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٨٠)
هَذَا اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ لَيْسَ مُتَّصِلًا بِالْكَلَامِ السَّابِقِ، وَإِنَّمَا كَانَ نُزُولُهُ لِسَبَبٍ حَدَثَ فِي أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ الْمَحْكِيَّةِ بِالْآيَاتِ السَّالِفَةِ، فَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ شَرْحِ أَحْوَالِهِمْ وَأَحْكَامِهِمْ، وَفِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَغْفِرُ لَهُمْ.
رَوَى الْمُفَسِّرُونَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ بَعْضُ الْآيَاتِ السَّابِقَةِ فِي أَحْوَالِهِمْ إِلَى قَوْلِهِ: سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [التَّوْبَة: ٧٩] . قَالَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ: اسْتَغْفِرْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْ مِمَّنْ صَدَرَ مِنْهُ عَمَلٌ وُبِّخُوا عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ دُونَ تَصْرِيحٍ بِأَنَّ فَاعِلَهُ مُنَافِقٌ فَوَعَدَهُمُ النَّبِيءُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَنْ يَسْتَغْفِرَ لِلَّذِينَ سَأَلُوهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانُوا يَأْتُونَ رَسُولَ اللَّهِ، فَيَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ، وَيَقُولُونَ: إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى. وَذَلِكَ فِي مَعْنَى الِاسْتِغْفَارِ، أَي طلب محوما عُدَّ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ ذَنْبٌ، يُرِيدُونَ أَنَّهُ اسْتِغْفَارٌ مِنْ ظَاهِرِ إِيهَامِ أَفْعَالِهِمْ. وَعَنِ الْأَصَمِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بن سَلُولَ لَمَّا ظَهَرَ مَا ظَهَرَ مِنْ نِفَاقِهِ وَتَنَكَّرَ النَّاسُ لَهُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ لَقِيَهُ
رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ يَسْتَغْفِرْ لَكَ، فَقَالَ: مَا أُبَالِي اسْتَغْفَرَ لِي أَمْ لَمْ يَسْتَغْفِرْ لِي. فَنَزَلَ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ [٥، ٦] : وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ يَعْنِي فَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ مُؤَكِّدَةً لِآيَةِ سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ عِنْدَ حُدُوثِ مِثْلِ السَّبَبِ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ آيَةُ سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute