للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة يُوسُف (١٢) : الْآيَات ١٣ إِلَى ١٤]

قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣) قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ (١٤)

فَصْلُ جُمْلَةِ قالَ جَارٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَاوَرَةِ.

أَظْهَرَ لَهُمْ سَبَبَ امْتِنَاعِهِ مِنْ خُرُوجِ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مَعَهُمْ إِلَى الرِّيفِ بِأَنَّهُ يُحْزِنُهُ لِبُعْدِهِ عَنْهُ أَيَّامًا، وَبِأَنَّهُ يَخْشَى عَلَيْهِ الذِّئَابَ، إِذْ كَانَ يُوسُفُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- حِينَئِذٍ غُلَامًا، وَكَانَ قَدْ رُبِّيَ فِي دَعَةٍ فَلَمْ يَكُنْ مُرِّنَا بِمُقَاوَمَةِ الوحوش، والذئاب تجترىء عَلَى الَّذِي تُحِسُّ مِنْهُ ضَعْفًا فِي دِفَاعِهَا. قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ ضَبْعٍ الْفَزَارِيُّ يَشْكُو ضَعْفَ الشَّيْخُوخَةِ:

وَالذِّئْبُ أَخْشَاهُ إِنْ مَرَرْتُ بِهِ ... وَحْدِي وَأَخْشَى الرِّيَاحَ وَالْمَطَرَا

وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ يَذْكُرُ ذِئْبًا:

فَقُلْتُ لَهُ لَمَّا تَكَشَّرَ ضَاحِكًا ... وَقَائِمُ سَيْفِي مِنْ يَدِي بِمَكَانِ

تَعِشْ فَإِنْ عَاهَدْتَنِي لَا تَخُونَنِي ... نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يَا ذِئْبُ يَصْطَحِبَانِ

فَذِئَابُ بَادِيَةِ الشَّامِ كَانَتْ أَشَدَّ خُبْثًا مِنْ بَقِيَّةِ الذِّئَابِ، وَلَعَلَّهَا كَانَتْ كَذِئَابِ بِلَادِ الرُّوسِ. وَالْعَرَبُ يَقُولُونَ: إِنَّ الذِّئْبَ إِذَا حُورِبَ وَدَافَعَ عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى عَضَّ الْإِنْسَانَ وَأَسَالَ دَمَهُ أَنَّهُ يَضْرَى حِينَ يَرَى الدَّمَ فَيَسْتَأْسِدُ عَلَى الْإِنْسَانِ، قَالَ:

فَكُنْتَ كَذِئْبِ السُّوءِ حِينَ رَأَى دَمًا ... بِصَاحِبِهِ يَوْمًا أَحَالَ عَلَى الدَّمِ

وَقَدْ يَتَجَمَّعُ سِرْبٌ مِنَ الذِّئَابِ فَتَكُونُ أَشَدَّ خَطَرًا عَلَى الْوَاحِدِ مِنَ النَّاسِ وَالصَّغِيرِ.