للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفِعْلُ فَحاقَ اخْتَلَفَ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ فِي مَعْنَاهُ. فَقَالَ الزَّجَّاجُ: هُوَ بِمَعْنَى أَحَاطَ، وَتَبِعَهُ

الزَّمَخْشَرِيُّ، وَفَسَّرَهُ الْفَرَّاءُ بِمَعْنَى عَادَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: أَصْلُهُ حَقَّ، أَيْ بِمَعْنَى وَجَبَ، فَأَبْدَلَ أَحَدَ حَرْفَيِ التَّضْعِيفِ حَرْفَ عِلَّةٍ تَخْفِيفًا، كَمَا قَالُوا تَظَنَّى فِي تَظَنَّنَ، أَيْ وَكَمَا قَالُوا:

تَقَضَّى الْبَازِي، بِمَعْنَى تَقَضَّضَ. وَالْأَظْهَرُ مَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ.

وَاخْتِيرَ فِعْلُ الْإِحَاطَةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَمَكُّنِ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَعَدَمِ إِفْلَاتِهِ أَحَدًا مِنْهُمْ.

وَإِنَّمَا جِيءَ بِالْمَوْصُولِ فِي قَوْلِهِ: بِالَّذِينَ سَخِرُوا وَلَمْ يَقُلْ بِالسَّاخِرِينَ لِلْإِيمَاءِ إِلَى تَعْلِيلِ الْحُكْمِ، وَهُوَ قَوْلُهُ فَحاقَ.

ومِنْهُمْ يَتَعَلَّقُ بِ سَخِرُوا، وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ عَائِدٌ إِلَى الرُّسُلِ، لِزِيَادَةِ تَقْرِيرِ كَوْنِ الْعِقَابِ لِأَجْلِهِمْ تَرْفِيعًا لِشَأْنِهِمْ. وَمَا فِي قَوْلِهِ: مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ مَوْصُولَةٌ.

وَالْبَاءُ فِي بِهِ لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ الِاسْتِهْزَاءِ. وَوُجُودُ الْبَاءِ مَانِعٌ مِنْ جَعْلِ مَا غَيْرَ مَوْصُولَةٍ.

وَهُوَ مَا أَطَالَ التَّرَدُّدَ فِيهِ الْكَاتِبُونَ.

وَالْمُرَادُ بِ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ مَا أَنْذَرَهُمُ الرُّسُلُ بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ وَحُلُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ، فَحَصَلَ بِذَلِكَ فَائِدَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ الْمُسْتَهْزِئِينَ كَانُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِالرُّسُلِ وَخَاصَّةً بِمَا يُنْذِرُونَهُمْ بِهِ مِنْ حُلُولِ الْعَذَابِ إِنِ اسْتَمَرُّوا عَلَى عَدَمِ التَّصْدِيقِ بِمَا جَاءُوا بِهِ.

فَاسْتِهْزَاؤُهُمْ بِمَا أُنْذِرُوا بِهِ جَعَلَ مَا أُنْذِرُوا بِهِ كَالشَّخْصِ الْمَهْزُوءِ بِهِ إِذَا جَعَلْنَا الْبَاءَ لِلتَّعْدِيَةِ، أَوِ اسْتِهْزَاؤُهُمْ بِالرُّسُلِ بِسَبَبِ مَا أَنْذَرُوهُمْ بِهِ إِذَا جُعِلَتِ الْبَاء للسَّبَبِيَّة.

[١١]

[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ١١]

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١١)

هَذِهِ الْجُمْلَةُ وِزَانَهَا وِزَانُ الْبَيَانِ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَلِذَلِكَ فُصِلَتْ، فَإِنَّ الْجُمْلَةَ الَّتِي قَبْلَهَا تُخْبِرُ بأنّ الَّذين استهزأوا بِالرُّسُلِ قَدْ حَاقَ بِهِمْ عَوَاقِبُ اسْتِهْزَائِهِمْ، وَهَذِهِ تَحْدُوهُمْ إِلَى مُشَاهَدَةِ دِيَارِ أُولَئِكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ. وَلَيْسَ افْتِتَاحُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِخِطَابِ