للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَدْ جَاءَ بِنُزُولِ الْقُرْآنِ وَدَعْوَةِ الْإِسْلَامِ. وَعَطَفَ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ عَلَى جاءَ الْحَقُّ لِأَنَّهُ إِذَا جَاءَ الْحَقُّ انْقَشَعَ الْبَاطِلُ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي حَلَّ فِيهِ الْحَقُّ.

ويُبْدِئُ مُضَارِعُ أَبْدَأَ بِهَمْزَةٍ فِي أَوَّلِهِ وَهَمْزَةٍ فِي آخِرِهِ وَالْهَمْزَةُ الَّتِي فِي أَوَّلِهِ لِلزِّيَادَةِ مِثْلُ هَمْزَةِ: أَجَاءَ، وَأَسْرَى. وَإِسْنَادُ الْإِبْدَاءِ وَالْإِعَادَةِ إِلَى الْبَاطِلِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ أَوِ اسْتِعَارَةٌ.

وَمَعْنَى مَا يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ الْكِنَايَةُ عَنِ اضْمِحْلَالِهِ وَزَوَالِهِ وَهُوَ مَا عَبَّرَ عَنْهُ بِالزُّهُوقِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [٨١] . وَذَلِكَ أَنَّ الْمَوْجُودَ الَّذِي تَكُونُ لَهُ آثَارٌ إِمَّا أَنْ تَكُونَ آثَارُهُ مُسْتَأْنَفَةً أَوْ مُعَادَةً فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبْدَاءٌ وَلَا

إِعَادَةٌ فَهُوَ مَعْدُومٌ وَأَصْلُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَصَرُّفِ الْحَيِّ فَيَكُونُ مَا يُبْدِئُ وَمَا يُعِيدُ كِنَايَةً عَنِ الْهَلَاكِ كَمَا قَالَ عُبَيْدُ بْنُ الْأَبْرَصِ:

أَفْقَرَ مِنْ أَهْلِهِ عَبِيدُ ... فَالْيَوْمَ لَا يُبْدِي وَلَا يُعِيدُ

(يَعْنِي نَفْسَهُ) .

وَيَقُولُونَ أَيْضًا: فلَان مَا يبدىء وَمَا يُعِيدُ، أَيْ مَا يَتَكَلَّمُ بِبَادِئَةٍ وَلَا عَائِدَةٍ، أَيْ لَا يَرْتَجِلُ كَلَامًا وَلَا يُجِيبُ عَنْ كَلَامِ غَيْرِهِ. وَأَكْثَرُ مَا يسْتَعْمل فعل (أبدأ) الْمَهْمُوزُ أَوَّلُهُ مَعَ فِعْلِ (أَعَادَ) مُزْدَوِجَيْنِ فِي إِثْبَاتٍ أَوْ نَفْيٍ، وَقَدْ تقدم قَوْله تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فِي سُورَة العنكبوت [١٩] .

[٥٠]

[سُورَة سبإ (٣٤) : آيَة ٥٠]

قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (٥٠)

لَمَّا جَرَى ذِكْرُ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَكَانُوا يَزْعُمُونَ مِنْ مَجْمُوعِ أَقْوَالِهِمْ أَنَّ النَّبِيءَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ غَيْرُ صَادِقٍ فِي دَعْوَى الرِّسَالَةِ مِنَ اللَّهِ كَانَتْ أَقْوَالُهُمْ تَقْتَضِي زَعْمَهُمْ إِيَّاهُ عَلَى ضَلَالٍ وَكَانَ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ قَاطِعًا بِأَنَّهُ عَلَى هُدًى بِقَوْلِهِ: قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ [سبأ: ٤٩] انْتَقَلَ هُنَا إِلَى مُتَارَكَةِ جِدَالِهِمْ وَتَرْكِهِمْ وَشَأْنِهِمْ لِقِلَّةِ جَدْوَى مُرَاجَعَتِهِمْ.

وَهَذَا مَحْضَرٌ خَاصٌّ وَطَيُّ بِسَاطِ مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَلَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَسْتَمِرُّ عَلَى تَرْكِ