وَمَا الْحَرْبُ إِلَّا مَا علمْتُم وذتم ... وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ الْمُرَجَّمِ
وَلَمْ يَجْعَلْ ضَمِيرَ شَأْنٍ لِدُخُولِ النَّفْيِ عَلَيْهِ كَالَّذِي فِي الْبَيْتِ لَكِنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ ضَمِيرِ الشَّأْنِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الِاهْتِمَامُ بِالْخَبَرِ وَلِأَنَّ مَا بَعْدَهُ فِي صُورَةِ الْجُمْلَةِ، وَقِيلَ: هُوَ عَائِدٌ عَلَى التَّعْمِيرِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ. وَقَوْلُهُ: أَنْ يُعَمَّرَ بَدَلٌ مِنْهُ وَهُوَ بَعِيدٌ.
وَالْمُزَحْزِحُ الْمُبْعِدُ.
وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ الْبَصِيرُ هُنَا بِمَعْنَى الْعَلِيمِ كَمَا فِي قَوْلِ عَلْقَمَةَ الْفَحْلِ:
فَإِنْ تَسْأَلُونِي بِالنِّسَاءِ فَإِنَّنِي ... بَصِيرٌ بِأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبِيبُ
وَهُوَ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّهْدِيدِ وَالتَّوْبِيخِ لِأَنَّ الْقَدِيرَ إِذَا عَلِمَ بِمَا يَجْتَرِحُهُ الَّذِي يَعْصِيهِ وَأَعْلَمَهُ بِأَنَّهُ عَلِمَ مِنْهُ ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّ الْعِقَابَ نَازِلٌ بِهِ لَا محَال وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
فَلَا تَكْتُمُنَّ اللَّهَ مَا فِي نُفُوسِكُمْ ... لِيَخْفَى فَمَهْمَا يُكْتَمِ اللَّهُ يَعْلَمِ
يُؤَخَّرْ فَيُوضَعْ فِي كِتَابٍ فَيُدَّخَرْ ... لِيَوْمِ الْحِسَابِ أَو يعجّل فينقم
فَجَعَلَ قَوْلَهُ: يَعْلَمِ بِمَعْنَى الْعِلْمِ الرَّاجِعِ لِلتَّهْدِيدِ بِدَلِيلِ إِبْدَالِهِ مِنْهُ قَوْلَهُ يُؤَخَّرْ، الْبَيْتَ وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا قَوْلُ النَّابِغَةِ فِي النُّعْمَانِ:
عَلِمْتُكَ تَرْعَانِي بِعَيْنٍ بَصِيرَةٍ ... وَتَبْعَثُ حُرَّاسًا عليّ وناظرا
[٩٧، ٩٨]
[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : الْآيَات ٩٧ إِلَى ٩٨]
قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٩٧) مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (٩٨)
مَوْقِعُ هَاتِهِ الْجُمْلَةِ مَوْقِعُ الْجُمَلِ قَبْلَهَا مِنْ قَوْلِهِ: قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ [الْبَقَرَة:
٩١] . وَقَوْلِهِ: قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ [الْبَقَرَة: ٩٣] . وَقَوْلِهِ: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ [الْبَقَرَة: ٩٤] . فَإِنَّ الْجَمِيعَ لِلرَّدِّ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُمْ نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا [الْبَقَرَة: ٩١] لِأَنَّهُمْ أَظْهَرُوا بِهِ عُذْرًا عَنِ الْإِعْرَاضِ عَنِ الدَّعْوَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَهُوَ عُذْرٌ كَاذِبٌ سَتَرُوا بِهِ السَّبَبَ فِي
الْوَاقِعِ وَهُوَ الْحَسَدُ عَلَى نُزُولِ الْقُرْآنِ عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِهِمْ فَجَاءَتْ هَاتِهِ الْمُجَادَلَاتُ الْمُصَدَّرَةُ بِقُلْ لِإِبْطَالِ مَعْذِرَتِهِمْ وَفَضْحِ مَقْصِدِهِمْ. فَأَبْطَلَ أَوَّلًا مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُمْ: نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا مِنْ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَقْبَلُونَ مَا أُنْزِلَ عَلَى رُسُلِهِمْ بِأَنَّهُمْ قَدْ قَابَلُوا رُسُلَهُمْ أَيْضًا بِالتَّكْذِيبِ وَالْأَذَى وَالْمَعْصِيَةِ وَذَلِكَ بِقَوْلِهِ: قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ وَقَوْلِهِ: قُلْ بِئْسَما إِلَخُُْ.