وَإِضَافَةُ جَنَّاتِ إِلَى النَّعِيمِ تُفِيدُ أَنَّهَا عُرِّفَتْ بِهِ فَيُشَارُ بِذَلِكَ إِلَى مُلَازَمَةِ النَّعِيمِ لَهَا لِأَنَّ أَصْلَ الْإِضَافَةِ أَنَّهَا بِتَقْدِيرِ لَامِ الْاسْتِحْقَاقِ فَ جَنَّاتِ النَّعِيمِ مُفِيدٌ أَنَّهَا اسْتَحَقَّهَا النَّعِيمُ لِأَنَّهَا لَيْسَ فِي أَحْوَالِهَا إِلَّا حَالَ نَعِيمِ أَهْلِهَا، فَلَا يَكُونُ فِيهَا مَا يكون فِي جَنَّاتِ الدُّنْيَا مِنَ الْمَتَاعِبِ مِثْلُ الْحَرِّ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَوْ شِدَّةِ الْبَرْدِ أَوْ مثل الحشرات والزنانير، أَوْ مَا يُؤْذِي مِثْلُ شَوْكِ الْأَزْهَارِ وَالْأَشْجَارِ وَرَوَثِ الدَّوَابِّ وذرق الطير.
[٣٥- ٣٦]
[سُورَة الْقَلَم (٦٨) : الْآيَات ٣٥ إِلَى ٣٦]
أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦)
فَاءُ التَّفْرِيعِ تَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مُتَفَرِّعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنِ اسْتِحْقَاقِ الْمُتَّقِينَ جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَمُقَابَلَتِهِ بِتَهْدِيدِ الْمُشْرِكِينَ بِعَذَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُصَرَّحٍ فِيهِ بِمَا يُنَاسِبُ أَنْ يَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ هَذَا الْإِنْكَارُ وَالتَّوْبِيخُ فَتَعَيَّنَ تَقْدِيرُ إِنْكَارٍ مِنَ الْمُعَرَّضِ بِهِمْ لِيَتَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ هَذَا الْاسْتِفْهَامُ الْمُفَرَّعُ، وَهُوَ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ آنِفًا مِنْ تَوَقُّعٍ أَوْ وُقُوعِ سُؤَالٍ.
وَالْاسْتِفْهَامُ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ التَّوْبِيخِ، وَالتَّخْطِئَةِ، وَالتَّهَكُّمِ عَلَى إِدْلَالِهِمُ الْكَاذِبِ، مُؤْذِنٌ بِأَنَّ مَا أُنْكِرَ عَلَيْهِمْ وَوُبِّخُوا عَلَيْهِ وَسُفِّهُوا عَلَى اعْتِقَادِهِ كَانَ حَدِيثًا قَدْ جَرَى فِي نَوَادِيهِمْ أَوِ
اسْتَسْخَرُوا بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي مَعْرِضِ جُحُودِ أَنْ يَكُونَ بَعْثٌ، وَفَرْضِهِمْ أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ لَا يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ مَزْيَةٌ وَفَضْلٌ عِنْدَ وُقُوعِهِ.
وَعَنْ مُقَاتِلٍ لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [الْقَلَم: ٣٤] قَالَتْ قُرَيْشٌ: إِنْ كَانَ ثَمَّةَ جَنَّةِ نَعِيمٍ فَلَنَا فِيهَا مِثْلُ حَظِّنَا وَحَظِّهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّا نُعْطَى يَوْمَئِذٍ خَيْرًا مِمَّا تُعْطَوْنَ فَنَزَلَ قَوْلُهُ: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ الْآيَةَ.
وَالْهَمْزَةُ لِلْاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ، فُرِّعَ إِنْكَارُ التَّسَاوِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكَافِرِينَ عَلَى مَا سَبَقَ مِنِ اخْتِلَافِ جَزَاءِ الْفَرِيقَيْنِ فَالْإِنْكَارُ مُتَسَلِّطٌ عَلَى مَا دَارَ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ أَوْ عِنْدَ نُزُولِ مَا سَبَقَهَا مِنْ آيِ الْقُرْآنِ الَّتِي قَابَلَتْ بَيْنَ جَزَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَجَزَاءِ الْمُشْرِكِينَ كَمَا يَقْتَضِيهِ صَرِيحًا قَوْلُهُ: مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ [الْقَلَم: ٣٩] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute