للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِنْكَارُ جَعْلِ الْفَرِيقَيْنِ مُتَشَابِهَيْنِ كِنَايَةٌ عَنْ إِعْطَاءِ الْمُسْلِمِينَ جَزَاءَ الْخَيْرِ فِي الْآخِرَةِ وَحِرْمَانِ الْمُشْرِكِينَ مِنْهُ، لِأَنَّ نَفْيَ التَّسَاوِي وَارِدٌ فِي مَعْنَى التَّضَادِّ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فِي الْقُرْآنِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ قَالَ تَعَالَى: أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ [السَّجْدَة: ١٨] ، وَقَالَ: لَا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ [الْحَشْر: ٢٠] ، وَقَالَ: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [ص: ٢٨] وَقَالَ السَّمَوْأَلُ أَوِ الْحَارِثِيُّ:

سَلِي إِنْ جَهِلْتِ النَّاسَ عَنَّا وَعَنْهُمْ ... فَلَيْسَ سَوَاءً عَالِمٌ وَجَهُولُ

وَإِذَا انْتَفَى أَنْ يَكُونَ لِلْمُشْرِكِينَ حَظٌّ فِي جَزَاءِ الْخَيْرِ انْتَفَى مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُمْ أَفْضَلُ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا هُوَ حَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا بِطَرِيقِ فَحْوَى الْخِطَابِ.

وَقَوْلُهُ: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ كَلَامٌ مُوَجَّهٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وهم الْمَقْصُود بالمجرمين، عَبَّرَ عَنْهُمْ بِطَرِيقِ الْإِظْهَارِ دُونَ ضَمِيرِ الْخِطَابِ لِمَا فِي وَصْفِ الْمُجْرِمِينَ مِنَ الْمُقَابَلَةِ لِيَكُونَ فِي الْوَصْفَيْنِ إِيمَاءٌ إِلَى سَبَبِ نَفْيِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ.

فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ضَمِيرُ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ: مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ الْتِفَاتًا عَنْ ضَمَائِرِ الْغَيْبَةِ مِنْ قَوْلِهِ: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [الْقَلَم: ٩] وَقَوْلِهِ إِنَّا بَلَوْناهُمْ [الْقَلَم:

١٧] .

وَإِنَّمَا تَغَيَّرَ الضَّمِيرُ إِلَى ضَمِيرِ الْخِطَابِ تَبَعًا لِتَغَيُّرِ تَوْجِيهِ الْكَلَامِ، لِأَنَّ شَرْطَ الْالْتِفَاتِ أَنْ يَتَغَيَّرَ الضَّمِيرُ فِي سِيَاقٍ وَاحِدٍ.

وَمَا لَكُمْ اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ لحالة حكمهم، ف مَا لَكُمْ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٤٦] .

وكَيْفَ تَحْكُمُونَ اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ ثَانٍ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ لَكُمْ، أَيِ انْتَفَى أَنْ يَكُونَ لَكُمْ شَيْءٌ فِي حَالِ حُكْمِكُمْ، أَيْ فَإِنْ ثَبَتَ لَهُمْ كَانَ مُنْكَرًا بِاعْتِبَارِ حَالَةِ حُكْمِهِمْ.

وَالْمَعْنَى: لَا تَحْكُمُونَ أَنَّكُمْ مُسَاوُونَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي جَزَاءِ الْآخِرَةِ أَوْ مفضلون عَلَيْهِم.