للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْحَج (٢٢) : آيَة ٣٦]

وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٣٦)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً [الْحَج: ٣٤] أَيْ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِلْقُرْبَانِ وَالْهَدَايَا، وَجَعَلْنَا الْبُدْنَ الَّتِي تُهْدَى وَيُتَقَرَّبُ بِهَا شَعَائِرَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِقُرْبَانِ الْبُدْنِ فِي الْحَجِّ مِنْ عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَجَعَلَهَا

جَزَاءً عَمَّا يُتَرَخَّصُ فِيهِ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ. وَأَمَرَ بِالتَّطَوُّعِ بِهَا فَوَعَدَ عَلَيْهَا بِالثَّوَابَ الْجَزِيلِ فَنَالَتْ بِذَلِكَ الْجَعْلَ الْإِلَهِيِّ يُمْنًا وَبَرَكَةً وَحُرْمَةً أَلْحَقَتْهَا بِشَعَائِرِ اللَّهِ، وَامْتَنَّ بِذَلِكَ عَلَى النَّاسِ بِمَا اقْتَضَتْهُ كَلِمَةُ لَكُمْ.

وَالْبُدْنُ: جَمْعُ بَدَنَةٍ بِالتَّحْرِيكِ، وَهِيَ الْبَعِيرُ الْعَظِيمُ الْبَدَنِ. وَهُوَ اسْمٌ مَأْخُوذٌ مِنَ الْبَدَانَةِ، وَهِيَ عِظَمُ الْجُثَّةِ وَالسِّمَنُ، وَفِعْلُهُ كَكَرُمَ وَنَصَرَ، وَلَيْسَتْ زِنَةُ بَدَنَةٍ وَصْفًا وَلَكِنَّهَا اسْمٌ مَأْخُوذٌ مِنْ مَادَّةِ الْوَصْفِ، وَجَمْعُهُ بُدْنٌ. وَقِيَاسُ هَذَا الْجَمْعِ أَنْ يَكُونَ مَضْمُومَ الدَّالِ مِثْلَ خُشُبٍ جَمْعِ خَشَبَةٍ، وَثُمُرٍ جَمْعِ ثَمَرَةٍ، فَتَسْكِينُ الدَّالِ تَخْفِيفٌ شَائِعٌ، وَغَلَبَ اسْمُ الْبَدَنَةِ عَلَى الْبَعِيرِ الْمُعَيَّنِ لِلْهَدْيِ.

وَفِي «الْمُوَطَّأِ» : «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ:

ارْكَبْهَا، فَقَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ، فَقَالَ: ارْكَبْهَا، فَقَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ، فَقَالَ: ارْكَبْهَا وَيْلَكَ فِي الثَّانِيَةِ أَوَ الثَّالِثَةِ»

فَقَوْلُ الرَّجُلِ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ، مُتَعَيَّنٌ لِإِرَادَةِ هَدْيِهِ لِلْحَجِّ.