[سُورَة الْقَمَر (٥٤) : الْآيَات ٤٧ إِلَى ٤٨]
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٤٧) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨)
هَذَا الكَّلَامُ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ: وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ [الْقَمَر: ٤٦] . وَاقْتِرَانُ الْكَلَامِ بِحَرْفِ إِنَّ لِفَائِدَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا: الْاِهْتِمَامُ بِصَرِيحِهِ الْإِخْبَارِيِّ، وَثَانِيهُمَا: تَأْكِيدُ مَا تَضَمَّنَهُ مِنَ التَّعْرِيضِ بِالْمُشْرِكِينَ، لِأَنَّ الكَّلَامَ وَإِنْ كَانَ مُوَجَّهًا لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لَا يُشَكُّ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ يَبْلُغُهُمْ وَيَشِيعُ بَيْنَهُمْ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ فَكَانُوا جَدِيرِينَ بِتَأْكِيدِ الْخَبَرِ فِي جَانِبِ التَّعْرِيضِ فَتَكُونَ إِنَّ مُسْتَعْمَلَةً فِي غَرَضَيْهَا مِنَ التَّوْكِيدِ وَالْاِهْتِمَامِ.
وَالتَّعْبِيرُ عَنْهُمْ بِ الْمُجْرِمِينَ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِإِلْصَاقِ وُصْفِ الْإِجْرَامِ بِهِمْ.
وَالضَّلَالُ: يُطْلَقُ عَلَى ضِدِّ الْهُدَى وَيُطْلَقُ عَلَى الْخُسْرَانِ، وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا الْمَعْنَى الثَّانِي. فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْمُرَادُ الْخُسْرَانُ فِي الْآخِرَةِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ طرف لِلْكَوْنِ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ [النازعات: ٦- ٨] ، وَقَوْلِهِ: وَيَوْمَ
الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ
[الْقَصَص: ٤٢] فَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ الضَّلَالُ ضِدَّ الْهُدَى.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ يُسْحَبُونَ ظَرْفًا لِلْكَوْنِ الَّذِي فِي خَبَرِ إِنَّ، أَيْ كَائِنُونَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ. فَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وسُعُرٍ جَمْعُ سَعِيرٍ، وَهُوَ النَّارُ، وَجَمْعُ السَّعِيرِ لِأَنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدٌ.
وَالسَّحْبُ: الْجَرُّ، وَهُوَ فِي النَّارِ أَشَدُّ مِنْ مُلَازمَة الْمَكَان لِأَنَّهُ بِهِ يَتَجَدَّدُ مُمَاسَّةُ نَارٍ أُخْرَى فَهُوَ أَشَدُّ تَعْذِيبًا.
وَجُعِلَ السَّحْبُ عَلَى الْوُجُوهِ إِهَانَةً لَهُمْ.
وذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ، وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ. وَالذَّوْقُ مُسْتَعَارٌ لِلْإِحْسَاسِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute