ثُمَّ ذُكِرَتِ الْمُبَالَغَةُ فِي إِكْرَامِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ بِقَوْلِهِ: ادْخُلُوها بِسَلامٍ، ثُمَّ طَمْأَنَهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ نَعِيمٌ خَالِدٌ، وَزِيدَ فِي إِكْرَامِهِمْ بِأَنَّ لَهُم مَا يشاؤون مَا لَمْ يَرَوْهُ حِينَ الدُّخُولِ، وَبِأَنَّ اللَّهَ عدهم بِالْمَزِيدِ من لَدنه.
[٣٦، ٣٧]
[سُورَة ق (٥٠) : الْآيَات ٣٦ إِلَى ٣٧]
وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧)
انْتِقَالٌ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ إِلَى التَّهْدِيدِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَهَذَا الْعَطْفُ انْتِقَالٌ إِلَى الْمَوْعِظَةِ بِمَا حَلَّ بِالْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ بَعْدَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى إِمْكَانِ الْبَعْثِ بِقَوْلِهِ: قَدْ عَلِمْنا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ [ق: ٤] وَمَا فُرِّعَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ: أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ [ق: ١٥] .
وَفِي هَذَا الْعَطْفِ الْوَعِيدُ الَّذِي أُجْمِلَ فِي قَوْلِهِ: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ إِلَى قَوْلِهِ: فَحَقَّ وَعِيدِ [ق: ١٢، ١٤] . فَالْوَعِيدُ الَّذِي حَقَّ عَلَيْهِمْ هُوَ الِاسْتِئْصَالُ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ مَضْمُونُ قَوْلِهِ: وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً.
وَالْخَبَرُ الَّذِي أَفَادَهُ قَوْلُهُ: وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ تَعْرِيضٌ بِالتَّهْدِيدِ وتسلية للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَضَمِيرَا قَبْلَهُمْ ومِنْهُمْ عَائِدَانِ إِلَى مَعْلُومٍ مِنَ الْمَقَامِ غَيْرِ مَذْكُورٍ فِي الْكَلَامِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ أَوَّلَ السُّورَةِ مِنْ قَوْلِهِ: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَيُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ فَقالَ الْكافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ [ق: ٢] . وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ السُّنَنِ قَوْلُهُ: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَقَوْلُهُ: بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ [ق: ١٥] ، وَنَظَائِرُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرَةٌ.
وكَمْ خَبَرِيَّةٌ وَجُرَّ تَمْيِيزُهَا بِ مِنْ عَلَى الْأَصْلِ.
وَالْبَطْشُ: الْقُوَّةُ عَلَى الْغَيْرِ. وَالتَّنْقِيبُ: مُشْتَقٌّ مِنَ النَّقْبِ بِسُكُونِ الْقَافِ بِمَعْنَى الثَّقْبِ، فَيَكُونُ بِمَعْنَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute