مُطْلَقِ الْكِتَابَةِ هُوَ الْأَصْلُ وَكَانَتْ تَسْمِيَةُ كِتَابَةٍ عَلَى مِثْلِ كِتَابَةٍ سَابِقَةٍ نَسْخًا لِأَنَّ ذَلِكَ كِتَابَةُ وَكَلَامُ صَاحِبِ «اللِّسَانِ» وَصَاحِبِ «الْقَامُوسِ» أَنَّ نَقْلَ الْكِتَابَةِ لَا يُسَمَّى نَسْخًا إِلَّا إِذَا كَانَ عَلَى مِثَالِ كِتَابَةٍ سَابِقَةٍ. وَهَذَا اخْتِلَافٌ مُعْضِلٌ، وَالْأَظْهَرُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ صَاحِبُ «اللِّسَانِ» وَصَاحِبُ «الْقَامُوسِ» فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ السِّينُ وَالتَّاءُ فِي نَسْتَنْسِخُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْفِعْلِ مِثْلُ اسْتَجَابَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ السِّينُ وَالتَّاءُ لِلطَّلَبِ وَالتَّكْلِيفِ، أَيْ نُكَلِّفُ الْمَلَائِكَةَ نَسْخَ أَعْمَالِكُمْ، وَعَلَى هَذَا الْمَحْمَلِ حَمَلَ الْمُفَسِّرُونَ السِّينَ وَالتَّاءَ هُنَا أَيْ لِلطَّلَبِ، ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّسْخُ عَلَى مَعْنَى نَقْلِ كِتَابَةٍ عَنْ كِتَابَةٍ سَابِقَةٍ وَبِهِ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَكَّلَ مَلَائِكَةً يَنْسَخُونَ مِنْ أُمِّ الْكِتَابِ فِي رَمَضَانَ كُلَّ مَا سَيَكُونُ مِنْ أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّسْخُ بِمَعْنَى كِتَابَةِ مَا تَعَلَّمَهُ النَّاسُ دُونَ نَقْلٍ عَنْ أَصْلٍ.
وَالْمَعْنَى: إِنَّا كُنَّا نَكْتُبُ أَعْمَالَكُمْ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَنْزِلُونَ كُلَّ يَوْمٍ بِشَيْءٍ يَكْتُبُونَ فِيهِ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ وَمِثْلُهُ عَنِ الْحَسَنِ وَالسُّدِّيِّ.
وَالنَّسْخُ هُنَا: الْكِتَابَةُ، وَإسْنَاد فعل الاستنتاج إِلَى ضَمِيرِ اللَّهِ عَلَى هَذَا إِسْنَادٌ مَجَازِيٌّ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْحَفَظَةَ بِكِتَابَة الْأَعْمَال.
[٣٠- ٣٢]
[سُورَة الجاثية (٤٥) : الْآيَات ٣٠ إِلَى ٣٢]
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (٣٠) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (٣١) وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (٣٢)
الْفَاءُ لِعَطْفِ الْمُفَصَّلِ عَلَى الْمُجْمَلِ، وَهُوَ تَفْصِيلٌ لِمَا أُجْمِلَ فِي قَوْلِهِ: وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً [الجاثية: ٢٨] وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute