للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمُخَاطَبُ بِهِ يَجْرِي عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْمُخَاطَبِ بِقَوْلِهِ: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ مَعَ أنّه لَا شَكَّ فِي أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْآيَةِ يَعُمُّ سَائِرَ الْمُسْلِمِينَ: إِمَّا بِطَرِيقِ اللَّفْظِ، وَإِمَّا بِطَرِيقِ لَحْنِ الْخِطَابِ، لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ الْحَالَةُ الشَّبِيهَةُ بِحَالِ الَّذِينَ تفرّقوا وَاخْتلفُوا.

وَأُرِيد بالّذين تفرّقوا وَاخْتلفُوا الّذين اخْتلفُوا فِي أُصُولِ الدِّينِ، مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ مِنَ الدَّلَائِلِ الْمَانِعَةِ مِنَ الِاخْتِلَافِ وَالِافْتِرَاقِ. وَقُدِّمَ الِافْتِرَاقُ عَلَى

الِاخْتِلَافِ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّ الِاخْتِلَافَ عِلَّةُ التَّفَرُّقِ وَهَذَا مِنَ الْمُفَادَاتِ الْحَاصِلَةِ مِنْ تَرْتِيبِ الْكَلَامِ وَذِكْرِ الْأَشْيَاء مَعَ مقارناتها، وَفِي عَكْسِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [الْبَقَرَة:

٢٨٢] .

وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ الْمَذْمُومَ وَالَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الِافْتِرَاقِ، وَهُوَ الِاخْتِلَافُ فِي أُصُولِ الدِّيَانَةِ الَّذِي يُفْضِي إِلَى تَكْفِيرِ بَعْضِ الْأُمَّةِ بَعْضًا، أَوْ تَفْسِيقِهِ، دُونَ الِاخْتِلَافِ فِي الْفُرُوعِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى اخْتِلَافِ مَصَالِحِ الْأُمَّةِ فِي الْأَقْطَارِ وَالْأَعْصَارِ، وَهُوَ الْمُعَبِّرُ عَنْهُ بِالِاجْتِهَادِ. وَنَحْنُ إِذَا تَقَصَّيْنَا تَارِيخَ الْمَذَاهِبِ الْإِسْلَامِيَّةِ لَا نَجِدُ افْتِرَاقًا نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا عَنِ اخْتِلَافٍ فِي الْعَقَائِدِ وَالْأُصُولِ، دُونَ الِاخْتِلَافِ فِي الِاجْتِهَادِ فِي فُرُوعِ الشَّرِيعَةِ.

وَالْبَيِّنَاتُ: الدَّلَائِلُ الَّتِي فِيهَا عِصْمَةٌ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الِاخْتِلَافِ لَوْ قُيِّضَتْ لَهَا أَفْهَامٌ.

وَقَوْلُهُ: وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ مُقَابِلَ قَوْلِهِ فِي الْفَرِيقِ الْآخَرِ: وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي نَظِيرِهِ، وَهَذَا جَزَاء لَهُم عَلَى التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ وَعَلَى تَفْرِيطِهِمْ فِي تجنّب أَسبَابه.

[١٠٦، ١٠٧]

[سُورَة آل عمرَان (٣) : الْآيَات ١٠٦ إِلَى ١٠٧]

يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (١٠٦) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ