للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ ذَلِكَ هُنَا تَعْيِيرُ الْيَهُودِ الْمُجَادِلِينَ لِلْمُسْلِمِينَ بِمَسَاوِي أَسْلَافِهِمْ إِبْكَاتًا لَهُمْ عَنِ التَّطَاوُلِ. عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ تِلْكَ شَنْشَنَتَهُمْ أَزْمَانَ قيام الرُّسُل والنبيئين بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَهُمْ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ أَسْوَأُ حَالًا وَأَجْدَرُ بِكَوْنِهِمْ شَرًّا، فَيَكُونُ الْكَلَامُ مِنْ ذَمِّ الْقَبِيلِ كُلِّهِ. عَلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنْ مُوجِبَاتِ اللَّعْنَةِ وَالْغَضَبِ وَالْمَسْخِ قَدِ ارْتَكَبَتْهَا الْأَخْلَافُ، عَلَى أَنَّهُمْ شَتَمُوا الْمُسْلِمِينَ بِمَا زَعَمُوا أَنَّهُ دِينُهُمْ فَيَحِقُّ شَتْمُهُمْ بِمَا نعتقده فيهم.

[٦١- ٦٣]

[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : الْآيَات ٦١ إِلَى ٦٣]

وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ (٦١) وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٢) لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كانُوا يَصْنَعُونَ (٦٣)

عطف وَإِذا جاؤُكُمْ عَلَى قَوْلِهِ: وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً [الْمَائِدَة:

٥٨] الْآيَةَ، وَخُصَّ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْمُنَافِقُونَ مِنَ الْيَهُودِ مِنْ جُمْلَةِ الَّذِينَ اتّخذوا الدّين هزوءا وَلَعِبًا، فَاسْتُكْمِلَ بِذَلِكَ التَّحْذِيرُ مِمَّنْ هَذِهِ صِفَتُهُمُ الْمُعْلِنِينَ مِنْهُمْ وَالْمُنَافِقِينَ. وَلَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى صِفَاتِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ [الْمَائِدَة: ٦٠] لِعَدَمِ اسْتِقَامَةِ الْمَعْنَى، وَبِذَلِكَ يُسْتَغْنَى عَنْ تَكَلُّفِ وَجْهٍ لِهَذَا الْعَطْفِ.

وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ أَنَّ الْإِيمَانَ لَمْ يُخَالِطْ قُلُوبَهُمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ، أَيْ هُمْ دَخَلُوا كَافِرِينَ وَخَرَجُوا كَذَلِكَ، لِشِدَّةِ قَسْوَةِ قُلُوبِهِمْ، فَالْمَقْصُودُ اسْتِغْرَاقُ الزَّمَنَيْنِ وَمَا بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَعَارَفُ، إِذِ الْحَالَةُ إِذَا تَبَدَّلَتِ اسْتَمَرَّ تَبَدُّلُهَا، فَفِي ذَلِكَ تَسْجِيلُ الْكَذِبِ فِي قَوْلِهِمْ: آمَنَّا، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: خَرَجَ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي دَخَلَ بِهِ.