للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْخَسْفِ مِثْلَ قَوْمِ لُوطٍ، وَقَوْمٌ أَتَاهُمْ مِنْ نَبْعِ الْمَاءِ مِنَ الْأَرْضِ مَثَلَ قَوْمِ نُوحٍ، وَقَوْمٌ عَمَّ عَلَيْهِمُ الْبَحْرُ مِثْلَ قَوْمِ فِرْعَوْنَ.

وَكَانَ الْعَذَابُ الَّذِي أَصَابَ كَفَّارَ قُرَيْشٍ لَمْ يَخْطُرْ لَهُمْ بِبَالٍ، وَهُوَ قَطْعُ السُّيُوفِ رِقَابَهُمْ وَهُمْ فِي عِزَّةٍ مِنْ قَوْمِهِمْ وَحُرْمَةٍ عِنْدَ قَبَائِلِ الْعَرَبِ مَا كَانُوا يَحْسَبُونَ أَيْدِيًا تَقْطَعُ رِقَابَهُمْ كَحَالِ أَبِي جَهْلٍ وَهُوَ فِي الْغَرْغَرَةِ يَوْمَ بَدْرٍ حِينَ قَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَنْتَ أَبَا جَهْلٍ؟

فَقَالَ: «وَهَلْ أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ» .

وَاسْتِعَارَةُ الْإِذَاقَةِ لِإِهَانَةِ الْخِزْيِ تَخْيِيلِيَّةٌ وَهِيَ مِنْ تَشْبِيهِ الْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ.

وَعُطِفَ عَلَيْهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لِلِاحْتِرَاسِ، أَيْ أَنَّ عَذَابَ الْآخِرَةِ هُوَ الْجَزَاءُ، وَأَمَّا عَذَابُ الدُّنْيَا فَقَدْ يُصِيبُ اللَّهُ بِهِ بَعْضَ الظَّلَمَةِ زِيَادَةَ خِزْيٍ لَهُمْ.

وَقَوْلُهُ: لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ فِي آخِرِ الْكَلَامِ. وَمَفْعُولُ يَعْلَمُونَ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ الْمُتَقَدِّمُ، أَيْ لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَذَاقَ الْآخَرِينَ الْخِزْيَ فِي الدُّنْيَا بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمُ الرُّسُلَ، وَأَنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا فِي الْآخِرَةِ هُوَ أَشَدُّ. وَضَمِيرُ يَعْلَمُونَ عَائِدٌ إِلَى مَا عَادَ إِلَيْهِ ضَمِيرُ قَبْلِهِمْ. وَجَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ التَّعْرِيضُ بِالْوَعِيدِ فِي قَوْلِهِ: كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الْآيَةَ، تَقْدِيرُهُ: لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ مَا حَلَّ بِهِمْ سَبَبُهُ تَكْذِيبُهُمْ رُسُلَهُمْ كَمَا كَذَّبَ هَؤُلَاءِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَوَصْفُ عَذَابِ الْآخِرَةِ بِ- أَكْبَرُ بِمَعْنَى: أَشَدِّ فَهُوَ أَشَدُّ كَيْفِيَّةً مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا وَأَشَدُّ كَمِّيَّةً لِأَنَّهُ أبدي.

[٢٧- ٢٨]

[سُورَة الزمر (٣٩) : الْآيَات ٢٧ إِلَى ٢٨]

وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ إِلَى قَوْلِهِ: فَما لَهُ مِنْ هادٍ [الزمر:

٢٣] ، تَتِمَّةٌ لِلتَّنْوِيهِ بِالْقُرْآنِ وَإِرْشَادِهِ، وَلِلتَّعْرِيضِ بِتَسْفِيهِ أَحْلَامِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِهِ