للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ بِقَوْلِهِ: لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ كَمَا فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ [٨٧] ، فَأَنْجَاهُ اللَّهُ بِسَبَبِ تَسْبِيحِهِ وَتَوْبَتِهِ فَقَذَفَهُ الْحُوتُ مِنْ بَطْنِهِ إِلَى الْبَرِّ بَعْدَ أَنْ مَكَثَ فِي جَوْفِ الْحُوتِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَقِيلَ: يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَقِيلَ: بِضْعَ سَاعَاتٍ.

وَمَعْنَى قَوْلِهِ: إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ التَّأْبِيدُ بِأَنْ يُمِيتَ اللَّهُ الْحُوتَ حِينَ ابْتِلَاعِهِ وَيُبْقِيَهُمَا فِي قَعْرِ الْبَحْرِ، أَوْ بِأَنْ يُخْتَطَفَ الْحُوتُ فِي حَجَرٍ فِي الْبَحْرِ أَوْ نَحْوِهُ فَلَا يَطْفُو عَلَى الْمَاءِ حَتَّى يُبْعَثَ يُونُسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ قَعْر الْبَحْر.

[١٤٥- ١٤٦]

[سُورَة الصافات (٣٧) : الْآيَات ١٤٥ إِلَى ١٤٦]

فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (١٤٥) وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (١٤٦)

الْفَاءُ فَصِيحَةٌ لِأَنَّهَا تُفْصِحُ عَنْ كَلَامٍ مُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ [الصافات: ١٤٣، ١٤٤] . فَالتَّقْدِيرُ: يُسَبِّحُ رَبَّهُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ وَنَجَّاهُ كَمَا فِي سُورَةِ

الْأَنْبِيَاءِ. وَالْمَعْنَى: فَلَفَظَهُ الْحُوتُ وَقَاءَهُ، وَحَمَلَهُ الْمَوْجُ إِلَى الشَّاطِئِ.

وَالنَّبْذُ: الْإِلْقَاءُ وَأُسْنِدَ نَبْذُهُ إِلَى اللَّهِ لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْحُوتَ لِقَذْفِهِ مِنْ بَطْنه إِلَى شاطىء لَا شَجَرَ فِيهِ. وَالْعَرَاءُ: الْأَرْضُ الَّتِي لَا شَجَرَ فِيهَا وَلَا مَا يُغَطِّيهَا.

وَكَانَ يُونُسُ قَدْ خَرَجَ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ سَقِيمًا لِأَنَّ أَمْعَاءَ الْحُوتِ أَضَرَّتْ بِجِلْدِهِ بِحَرَكَتِهَا حَوْلَهُ فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ نزع ثِيَابه عِنْد مَا أُرِيدَ رَمْيُهُ فِي الْبَحْرِ لِيَخِفَّ لِلسِّبَاحَةِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَصَابَ الْحُوتَ بِشِبْهِ الْإِغْمَاءِ فَتَعَطَّلَتْ حَرَكَة هضمه تعطلا مَا فَبَقِيَ كَالْخَدِرِ لِئَلَّا تَضُرَّ أَمْعَاؤُهُ لَحْمَ يُونُسَ. وَأَنْبَتَ اللَّهُ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ لِتُظَلِّلَهُ وَتَسْتُرَهُ. وَالْيَقْطِينُ: الدُّبَّاءُ وَهِيَ كَثِيرَةُ الْوَرَقِ تَتَسَلَّقُ أَغْصَانُهَا فِي الشَّيْءِ الْمُرْتَفِعِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ أَغْصَانَ الْيَقْطِينَةِ تَسَلَّقَتْ عَلَى جَسَدِ يُونُس فكسته وأضلته. وَاخْتِيرَ لَهُ الْيَقْطِينُ لِيُمْكِنَ لَهُ أَنْ يَقْتَاتَ مِنْ غَلَّتِهِ