وَعَطْفُ جُمْلَةِ: وَأَقُلْ لَكُما عَلَى جُمْلَةِ: أَنْهَكُما لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّوْبِيخِ، لِأَنَّ النَّهْيَ كَانَ مَشْفُوعًا بِالتَّحْذِيرِ مِنَ الشَّيْطَانِ الَّذِي هُوَ الْمُغْرِي لَهُمَا بِالْأَكْلِ مِنَ الشَّجَرَةِ، فَهُمَا قَدْ أَضَاعَا وَصِيَّتَيْنِ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ حِكَايَةِ هَذَا الْقَوْلِ هُنَا تَذْكِيرُ الْأُمَّةِ بِعَدَاوَةِ الشَّيْطَانِ لِأَصْلِ نَوْعِ الْبَشَرِ، فَيَعْلَمُوا أَنَّهَا عَدَاوَةٌ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ، فَيَحْذَرُوا مِنْ كُلِّ مَا هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى الشَّيْطَانِ وَمَعْدُودٌ مِنْ وَسْوَسَتِهِ، فَإِنَّهُ لَمَّا جُبِلَ على الْخبث والخري كَانَ يَدْعُو إِلَى ذَلِك بطبعه وَكَانَ لَا يَهْنَأُ لَهُ بَالٌ مَا دَامَ عَدُوُّهُ وَمَحْسُودُهُ فِي حَالَةٍ حَسَنَةٍ.
وَالْمُبِينُ أَصْلُهُ الْمُظْهِرُ، أَيْ لِلْعَدَاوَةِ بِحَيْثُ لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ يَتَتَبَّعُ آثَارَ وَسْوَسَتِهِ وَتَغْرِيرِهِ، وَمَا عَامَلَ بِهِ آدَمَ مِنْ حِينِ خَلْقِهِ إِلَى حِينِ غُرُورِهِ بِهِ فَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِبَانَةٌ عَنْ عَدَاوَتِهِ، وَوَجْهُ تِلْكَ الْعَدَاوَةِ أَنَّ طَبْعَهُ يُنَافِي مَا فِي الْإِنْسَانِ مِنَ الْكَمَالِ الْفِطْرِيِّ الْمُؤَيَّدِ بِالتَّوْفِيقِ وَالْإِرْشَادِ الْإِلَهِيِّ، فَلَا يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ إِلَّا فِي حَالَةِ الضَّلَالِ وَالْفَسَادِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُبِينُ مُسْتَعْمَلًا مَجَازًا فِي الْقَوِيِّ الشَّدِيدِ لِأَنَّ شَأْنَ الْوَصْفِ الشَّدِيدِ أَنْ يَظْهَرَ لِلْعِيَانِ.
وَقَدْ قَالَا: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا اعْتِرَافًا بِالْعِصْيَانِ، وَبِأَنَّهُمَا عَلِمَا أَنَّ ضُرَّ الْمَعْصِيَةِ عَادَ عَلَيْهِمَا، فَكَانَا ظَالِمَيْنِ لِأَنْفُسِهِمَا إِذْ جَرَّا عَلَى أَنْفُسِهِمَا الدُّخُولَ فِي طَوْرِ ظُهُورِ السَّوْآتِ، وَمَشَقَّةِ اتِّخَاذِ مَا يَسْتُرُ عَوْرَاتِهِمَا، وَبِأَنَّهُمَا جَرَّا عَلَى أَنْفُسِهِمَا غَضَبَ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُمَا فِي تَوَقُّعِ حُقُوقِ الْعَذَابِ، وَقَدْ جَزَمَا بِأَنَّهُمَا يَكُونَانِ مِنَ الْخَاسِرِينَ إِنْ لَمْ يَغْفِرِ اللَّهُ لَهُمَا، إِمَّا بِطَرِيقِ الْإِلْهَامِ أَوْ نَوْعٍ مِنَ الْوَحْيِ، وَإِمَّا بِالِاسْتِدْلَالِ على العواقب بالمبادىء، فَإِنَّهُمَا رَأَيَا من الْعِصْيَان بوادىء الضُّرِّ وَالشَّرِّ، فَعَلِمَا أَنَّهُ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَمِنْ مُخَالَفَةِ وِصَايَتِهِ، وَقَدْ أَكَّدَا جُمْلَةَ جَوَابِ الشَّرْطِ بِلَامِ الْقَسَمِ وَنُونِ التَّوْكِيدِ إِظْهَارًا لِتَحْقِيقِ الْخُسْرَانِ اسْتِرْحَامًا وَاسْتِغْفَارًا مِنَ الله تَعَالَى.
[٢٤]
[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : آيَة ٢٤]
قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٢٤)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute