فِي قَوْلِهِ: فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ- إِلَى قَوْلِهِ- وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ [هود: ١٠١] ، وَلِأَنَّ الطَّاغُوتَ كَانُوا أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ آمَنُوا قَبْلَ الْإِيمَانِ فَإِنَّ الْجَمِيعَ كَانُوا مُشْرِكِينَ، وَكَذَلِكَ مَا أَطَالَ بِهِ فَخْرُ الدَّين من وجود الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَاسْتِدْلَالِهِمْ عَلَيْنَا. وَجُمْلَةُ يُخْرِجُهُمْ خَبَرٌ ثَانٍ عَنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ. وَجُمْلَةُ يُخْرِجُونَهُمْ حَالٌ مِنَ الطَّاغُوتِ. وَأُعِيدَ الضَّمِيرُ إِلَى الطَّاغُوتِ بِصِيغَةِ جَمْعِ الْعُقَلَاءِ لِأَنَّهُ أَسْنَدَ إِلَيْهِمْ مَا هُوَ مِنْ فِعْلِ الْعُقَلَاءِ وَإِنْ كَانُوا فِي الْحَقِيقَةِ سَبَبَ الْخُرُوجِ لَا مُخْرِجِينَ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الطَّاغُوتِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى [الْبَقَرَة: ٢٥٦] .
[٢٥٨]
[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٢٥٨]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٢٥٨)
جَرَى هَذَا الْكَلَامُ مَجْرَى الْحُجَّةِ عَلَى مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ الْمَاضِيَةِ أَوِ الْمِثَالِ لَهَا فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ يُخْرِجُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَأَنَّ الطَّاغُوتَ يُخْرِجُونَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ، سَاقَ ثَلَاثَةَ شَوَاهِدَ عَلَى ذَلِكَ هَذَا أَوَّلُهَا وَأَجْمَعُهَا لِأَنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى ضَلَالِ الْكَافِرِ وَهُدَى الْمُؤْمِنِ، فَكَانَ هَذَا فِي قُوَّةِ الْمِثَالِ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا تَمْثِيلُ حَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي مُجَادَلَتِهِمُ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَعْثِ بِحَالِ
الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا يَرِدُ مِنَ التَّخْيِيرِ فِي التَّشْبِيهِ فِي قَوْلِهِ: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ [الْبَقَرَة: ٢٥٩] الْآيَةَ.
وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَى تَرْكِيبِ أَلَمْ تَرَ. وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَلَمْ تَرَ مَجَازِيٌّ مُتَضَمِّنٌ مَعْنَى التَّعْجِيبِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ مَعْنَاهُ وَأَصْلُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ [الْبَقَرَة: ٢٤٣] . وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ مَسُوقٌ لِإِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِبْطَالِ إِلَاهِيَّةِ غَيْرِهِ لِانْفِرَادِهِ بِالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ، وَانْفِرَادِهِ بِخَلْقِ الْعَوَالِمِ الْمَشْهُودَةِ لِلنَّاسِ. وَمَعْنَى حَاجَّ خَاصَمَ، وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute