الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: دَلَّ قَوْلُهُ: فَتُصْبِحُوا عَلى مَا فَعَلْتُمْ نادِمِينَ أَنَّهُ تَحْذِيرٌ مِنَ الْوُقُوعِ فِيمَا يُوجِبُ النَّدَمَ شَرْعًا، أَيْ مَا يُوجِبُ التَّوْبَةَ مِنْ تِلْكَ الْإِصَابَةِ، فَكَانَ هَذَا كِنَايَةً عَنِ الْإِثْمِ فِي تِلْكَ الْإِصَابَةِ فَحَذَّرَ وُلَاةَ الْأُمُورِ مِنْ أَنْ يُصِيبُوا أَحَدًا بِضُرٍّ أَوْ عِقَابٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ غُرْمٍ دُونَ تَبَيُّنِ وَتَحَقُّقِ تَوَجُّهِ مَا يُوجِبُ تَسْلِيطَ تِلْكَ الْإِصَابَةِ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ يُوجِبُ الْيَقِينَ أَوْ غَلَبَةَ الظَّنِّ وَمَا دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ تَقْصِيرٌ يُؤَاخَذُ عَلَيْهِ، وَلَهُ مَرَاتِبُ بَيَّنَهَا الْعُلَمَاءُ فِي حِكَمٍ خَطَّهَا الْقَاضِي وَصِفَةِ الْمُخْطِئِ وَمَا يُنْقَضُ مِنْ أَحْكَامِهِ. وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ فِي قَوْلِهِ: عَلى مَا فَعَلْتُمْ نادِمِينَ لِلِاهْتِمَامِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ، وَهُوَ الْإِصَابَةُ بِدُونِ تَثَبُّتٍ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى خَطَرِ أَمْرِهِ.
[٧، ٨]
[سُورَة الحجرات (٤٩) : الْآيَات ٧ الى ٨]
وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧) فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٨)
وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ.
عُطِفَ عَلَى جُمْلَةِ إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ [الحجرات: ٦] عَطْفُ تَشْرِيعٍ عَلَى تَشْرِيعٍ وَلَيْسَ مَضْمُونُهَا تَكْمِلَةً لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ إِلَخْ بَلْ هِيَ جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ.
وَابْتِدَاءُ الْجُمْلَةِ بِ اعْلَمُوا لِلِاهْتِمَامِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٣٥] . وَقَوْلِهِ: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَنْفَالِ [٤١] .
وَقَوْلِهِ: أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِيقَاظِ وَالتَّحْذِيرِ عَلَى وَجْهِ الْكِنَايَةِ. فَإِنَّ كَوْنَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ أَمْرٌ مَعْلُومٌ لَا يُخْبَرُ عَنْهُ. فَالْمَقْصُودُ تَعْلِيمُ الْمُسْلِمِينَ بِاتِّبَاعِ مَا شَرَعَ لَهُمْ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَحْكَامِ وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُوَافِقَةٍ لِرَغَبَاتِهِمْ.
وَجُمْلَةُ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ إِلَخْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا.
فَضَمِيرَا الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: يُطِيعُكُمْ وَقَوْلِهِ: لَعَنِتُّمْ عَائِدَانِ إِلَى الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى تَوْزِيعِ الْفِعْلِ عَلَى الْأَفْرَادِ فَالْمُطَاعُ بَعْضُ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُمُ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ أَنْ يعْمل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute