للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الصافات (٣٧) : الْآيَات ١٦٧ إِلَى ١٧٠]

وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (١٧٠)

انْتِقَالٌ مَنْ ذِكْرِ كُفْرِ الْمُشْرِكِينَ بِتَعَدُّدِ الْإِلَهِ وَبِإِنْكَارِ الْبَعْثِ وَمَا وَصَفُوا بِهِ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السِّحْرِ وَالْجُنُونِ ثُمَّ بِمَا نَسَبُوا لِلَّهِ مِمَّا لَا يَلِيقُ بِإِلَهِيَّتِهِ وَمَا تَخَلَّلَ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَالْوَعِيدِ لَهُمْ وَالْوَعْدِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْعِبْرَةِ بِمَصَارِعِ الْمُكَذِّبِينَ السَّابِقِينَ وَمَا لَقِيَهُ رُسُلُ اللَّهِ من أقوامهم.

فانتقال الْكَلَامُ إِلَى ذِكْرِ مَا كَفَرَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ تَكْذِيبِ الْقُرْآنِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ هَدًى لَهُمْ، فَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا هُوَ قَوْلُهُ: فَكَفَرُوا بِهِ أَيِ الذِّكْرِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ لَهُ فِي نَظْمِ الْكَلَامِ مَا فِيهِ تَسْجِيلٌ عَلَيْهِمْ تَهَافُتُهُمْ فِي الْقَوْلِ إِذْ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيهم مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكِتَابِ الْمُبِينِ يَوَدُّونَ أَنْ يُشَرِّفَهُمُ اللَّهُ بِكِتَابٍ لَهُمْ كَمَا شَرَّفَ الْأَوَّلِينَ وَيَرْجُونَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونُوا عِبَادًا لِلَّهِ مُخْلَصِينَ لَهُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا رَغِبُوا فِيهِ كَفَرُوا بِهِ وَذَلِكَ أَفْظَعُ الْكُفْرِ لِأَنَّهُ كُفْرٌ بِمَا كَانُوا عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ إِذْ كَانُوا يَتَمَنَّوْنَهُ لِأَنْفُسِهِمْ وَيَغْبِطُونَ الْأُمَمَ الَّتِي أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ مِثْلُهُ فَلَمْ يَكُنْ كُفْرُهُمْ عَنْ مُبَاغَتَةٍ وَلَا عَنْ قِلَّةِ تَمَكُّنٍ مِنَ النَّظَرِ.

وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِ إِنْ الْمُخَفَّفَةِ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَبِلَامِ الِابْتِدَاءِ الْفَارِقَةِ بَيْنَ الْمُخَفَّفَةِ وَالنَّافِيَةِ لِلتَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ بِتَحْقِيقِ وُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُمْ لِيَسُدَّ عَلَيْهِمْ بَابَ الْإِنْكَارِ. وَإِقْحَامُ فِعْلِ كانُوا لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ خَبَرَ (كَانَ) ثَابِتٌ لَهُمْ فِي الْمَاضِي. وَالتَّعْبِيرُ بِالْمُضَارِعِ فِي «يَقُولُونَ» لِإِفَادَةِ أَنَّ ذَلِكَ تَكَرَّرَ مِنْهُمْ.

ولَوْ شَرْطِيَّةٌ وَسَدَّتْ أَنَّ وَصِلَتُهَا مَسَدَّ فِعْلِ الشَّرْطِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ.

وَالذِّكْرُ: الْكِتَابُ الْمَقْرُوءُ، سُمِّيَ ذِكْرًا لِأَنَّهُ يُذَكِّرُ النَّاسَ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مُسَمًّى بِالْمَصْدَرِ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ [٦] .

ومِنَ الْأَوَّلِينَ صِفَةٌ لِ ذِكْراً، وَالْمُرَادُ بِ الْأَوَّلِينَ الرُّسُلُ السَّابِقُونَ، ومِنَ ابْتِدَائِيَّةٌ، أَيْ ذِكْرًا جَائِيًا مِنَ الرُّسُلِ الْأَوَّلِينَ، أَيْ مِثْلَ مُوسَى وَعِيسَى. وَمُرَادُهُمْ