للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التَّقْدِيرُ: ابْنُ رَجُلٍ جَلَا. وَالْخَبَرُ هُوَ قَوْلُهُ: إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ. وَالتَّقْدِيرُ: مَا أَحَدٌ مِنَّا إِلَّا كَائِنٌ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ.

وَالْمَقَامُ: أَصْلُهُ مَكَانُ الْقِيَامِ. وَلَمَّا كَانَ الْقِيَامُ يَكُونُ فِي الْغَالِبِ لِأَجْلِ الْعَمَلِ كَثُرَ إِطْلَاقُ الْمَقَامِ عَلَى الْعَمَلِ الَّذِي يَقُومُ بِهِ الْمَرْءُ كَمَا حُكِيَ فِي قَوْلِ نُوحٍ: إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي [يُونُس: ٧١] أَيْ عَمَلِي.

وَالْمَعْلُومُ: الْمُعَيَّنُ الْمَضْبُوطُ، وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ وَصْفُ مَعْلُومٌ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْمُعَيَّنَ الْمَضْبُوطَ لَا يَشْتَبِهُ عَلَى الْمُتَبَصِّرِ فِيهِ فَمَنْ تَأَمَّلَهُ عَلِمَهُ. وَالْمَعْنَى: مَا مِنْ أَحَدٍ مِنَّا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا لَهُ صِفَةٌ وَعَمَلٌ نَحْوَ خَالِقِهِ لَا يَسْتَزِلُّهُ عَنْهُ شَيْءٌ وَلَا تَرُوجُ عَلَيْهِ فِيهِ الوساوس فَلَا تطمعوا أَنْ تَزِلُّونَا عَنْ عِبَادَةِ رَبِّنَا. فَالْمَقَامُ هُوَ صِفَةُ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ بِقَرِينَةِ وُقُوعِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ

عَقِبَ قَوْلِهِ: فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ [الصافات: ١٦١، ١٦٢] ، أَيْ مَا أَنْتُمْ بِفَاتِنِينَ لَنَا فَلَا يَلْتَبِسُ عَلَيْنَا فَضْلُ الْمَلَائِكَةِ فَنَرْفَعَهُ إِلَى مَقَامِ الْبُنُوَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا نُشَبِّهُ اعْتِقَادَكُمْ فِي تَصَرُّفِ الْجِنِّ أَنْ تَبْلُغُوا بِهِمْ مَقَامَ الْمُصَاهَرَةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْمُدَانَاةِ لِجَلَالِهِ كَقَوْلِهِ:

وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ [الْأَنْعَام: ١٠٠] .

فَقَوْلُهُ: وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ أَيْ وَإِنَّا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، الصَّافُّونَ أَيِ الْوَاقِفُونَ لِعِبَادَةِ اللَّهِ صُفُوفًا بِالصَّلَاةِ. وَوَصَفَ وُقُوفَهُمْ فِي الصَّلَاةِ بِالصَّفِّ تَشَبُّهًا بِنِظَامِ الْمَلَائِكَةِ.

قَالَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ: «جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ»

، وَالْمُرَادُ بِالْمُسَبِّحِينَ الْمُنَزِّهُونَ لِلَّهِ تَعَالَى عَنْ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا أَوْ يَكُونَ خَلَقَ صِهْرًا لَهُ أَوْ صَاحِبَةً خِلَافًا لِشِرْكِكُمْ إِذْ عِبَادَتُكُمْ مُكَاءٌ وَتَصْدِيَةٌ وَخِلَافًا لِكُفْرِكُمْ إِذْ تَجْعَلُونَ لَهُ صَوَاحِبَ وَبَنَاتٍ وَأَصْهَارًا. وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ الصَّافُّونَ ... الْمُسَبِّحُونَ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ [الصافات: ١٦٢] عَلَيْهِ، أَيِ الصَّافُّونَ لِعِبَادَتِهِ الْمُسَبِّحُونَ لَهُ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ كلهَا مُتَعَلق بشؤون اللَّهِ تَعَالَى. وَتَعْرِيفُ جُزْأَيِ الْجُمْلَةِ، وَضَمِيرِ الْفَصْلِ مِنْ قَوْلِهِ:

لَنَحْنُ يُفِيدَانِ قَصْرًا مُؤَكَّدًا فَهُوَ قَصْرُ قَلْبٍ، أَيْ دُونَ مَا وَصَفْتُمُوهُ بِهِ مِنَ البنوّة لله.