وَهُنَالِكَ جَوَابٌ آخَرُ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ مُعَادِ ضمير عَلِمُوا وَضمير لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ فَضَمِيرُ لَقَدْ عَلِمُوا رَاجِعٌ إِلَى الْجِنِّ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ السِّحْرَ وَضَمِيرَا لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ رَاجِعَانِ إِلَى الْإِنْسِ الَّذِينَ تَعَلَّمُوا السِّحْرَ وَشَرَوْا بِهِ أنفسهم، قَالَه فطرب وَالْأَخْفَشُ وَبِذَلِكَ صَارَ الَّذِينَ أُثْبِتَ لَهُمُ الْعِلْمُ غَيْرَ الْمَنْفِيّ عَنْهُم.
[١٠٣]
[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ١٠٣]
وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٣)
أَيْ لَوْ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ وَاتَّقَوُا اللَّهَ فَلَمْ يُقْدِمُوا عَلَى إِنْكَارِ مَا بَشَّرَتْ بِهِ كُتُبُهُمْ لَكَانَتْ لَهُمْ مَثُوبَةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَمَثُوبَةُ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ كُلِّ نَفْعٍ حَمَلَهُمْ على المكابرة.
و (لَو) شَرْطِيَّةٌ امْتِنَاعِيَّةٌ اقْتَرَنَ شَرْطُهَا بِأَنَّ مَعَ الْتِزَامِ الْفِعْلِ الْمَاضِي فِي جُمْلَتِهِ عَلَى حَدِّ قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
وَلَوْ أَنَّ مَا أَسْعَى لِأَدْنَى مَعِيشَةٍ ... كَفَانِي وَلَمْ أَطْلُبْ قَلِيلٌ من المَال
و (أَن) مَعَ صِلَتِهَا فِي مَحَلِّ مُبْتَدَأٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ وَمَا فِي جمل الصِّلَةِ مِنَ الْمُسْنَدِ وَالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ أَكْمَلَ الْفَائِدَةَ فَأَغْنَى عَنِ الْخَبَرِ. وَقِيلَ خَبَرُهَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ ثَابِتٌ أَيْ وَلَوْ إِيمَانُهُمْ ثَابِتٌ.
وَقَوْلُهُ: لَمَثُوبَةٌ يَتَرَجَّحُ أَنْ يَكُونَ جَوَابَ (لَوْ) فَإِنَّهُ مُقْتَرِنٌ بِاللَّامِ الَّتِي يَكْثُرُ اقْتِرَانُ جَوَابِ (لَوِ) الْمُثْبَتِ بِهَا وَالْجَوَابُ هُنَا جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ وَهِيَ لَا تَقَعُ جَوَابًا لِلَوْ فِي الْغَالِبِ وَكَانَ هَذَا الْجَوَابُ غير ظَاهر الترتب وَالتَّعْلِيقِ عَلَى جُمْلَةِ الشَّرْطِ لِأَنَّ مَثُوبَةَ اللَّهِ خَيْرٌ سَوَاءٌ آمَنَ الْيَهُودُ وَاتَّقَوْا أَمْ لَمْ يَفْعَلُوا. قَالَ بَعْضُ النُّحَاةِ الْجَوَابُ مَحْذُوف أَي لأثيبوا وَمَثُوبَةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ. وَعَدَلَ عَنْهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» فَقَالَ: أُوثِرَتِ الْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ فِي جَوَابِ (لَوْ) عَلَى الْفِعْلِيَّةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى ثَبَاتِ الْمَثُوبَةِ وَاسْتِقْرَارِهَا كَمَا عَدَلَ عَنِ النَّصْبِ إِلَى الرَّفْعِ فِي سَلامٌ عَلَيْكُمْ [الزمر: ٧٣] لِذَلِكَ اهـ. وَمُرَادُهُ أَنَّ تَقْدِير الْجَواب لأثيبوا مَثُوبَةً مِنَ اللَّهِ خَيْرًا لَهُمْ مِمَّا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ، أَوْ لَمَثُوبَةً بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ بَدَلٌ مِنْ فِعْلِهِ، وَكَيْفَمَا كَانَ فَالْفِعْلُ أَوْ بَدَلُهُ يَدُلَّانِ عَلَى الْحُدُوثِ فَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ. وَلَمَّا كَانَ الْمَقَامُ يَقْتَضِي حُصُولَ الْمَثُوبَةِ وَثَبَاتَهَا وَثَبَاتَ الْخَيْرِيَّةِ لَهَا لِيَحْصُلَ مَجْمُوعُ مَعَانٍ عَدَلَ عَنِ النَّصْبِ الْمُؤَذِّنِ بِالْفِعْلِ إِلَى الرَّفْعِ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الِاسْمِيَّةَ لَا تُفِيدُ الْحُدُوثَ بَلِ الثُّبُوتَُُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute