وَأَنْحَى عَلَيْهِمْ فِي اعْتِزَازِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِقُوَّتِهِمْ وَنِعْمَتِهِمْ وَمَالِهِمْ بِأَنَّ ذَلِكَ مَتَاعُ الدُّنْيَا وَأَنَّ مَا ادُّخِرَ لِلْمُسْلِمِينَ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى.
وَأَعْقَبَهُ بِضَرْبِ الْمَثَلِ لَهُمْ بِحَالِ قَارُونَ فِي قَوْمِ مُوسَى. وَتَخَلَّصَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى التَّذْكِيرِ
بِأَنَّ أَمْثَالَ أُولَئِكَ لَا يَحْظَوْنَ بِنَعِيمِ الْآخِرَةِ وَأَنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ.
وَتَخَلَّلَ ذَلِكَ إِيمَاءٌ إِلَى اقْتِرَابِ مُهَاجَرَةِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَإِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ مُظْهِرُهُمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ [الْقَصَص:
٥] الْآيَةَ.
وَخَتَمَ الْكَلَام بتسلية النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَثْبِيتِهِ وَوَعْدِهِ بِأَنَّهُ يَجْعَلُ بَلَدَهُ فِي قَبْضَتِهِ وَيُمَكِّنُهُ مِنْ نَوَاصِي الضَّالِّينَ.
وَيَقْرُبُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ وَدُّوا أَنْ تُفَصَّلَ لَهُمْ قِصَّةُ رِسَالَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَكَانَ الْمَقْصُودُ انْتِفَاعُهُمْ بِمَا فِي تفاصيلها مِنْ مَعْرِفَةٍ نَافِعَةٍ لَهُمْ تَنْظِيرًا لِحَالِهِمْ وَحَالِ أَعْدَائِهِمْ. فَالْمَقْصُودُ ابْتِدَاءً هُمُ الْمُسْلِمُونَ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى فِي أَولهَا نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الْقَصَص: ٣] أَيْ للْمُؤْمِنين.
[١]
[سُورَة الْقَصَص (٢٨) : آيَة ١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
طسم (١)
تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظِيرِهِ فِي فَاتِحَةِ سُورَة الشُّعَرَاء.
[٢، ٣]
[سُورَة الْقَصَص (٢٨) : الْآيَات ٢ إِلَى ٣]
تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣)
الْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ عَلَى نَحْوِ الْإِشَارَةِ فِي نَظِيرِهِ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ [٢] . فَالْمُشَارُ إِلَيْهِ مَا هُوَ مَقْرُوءٌ يَوْمَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الْقُرْآنِ تَنْوِيهًا بِشَأْنِ الْقُرْآنِ وَأَنَّهُ شَأْنٌ عَظِيم.
وَجُمْلَة نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا.