وَأَمَّا الْقَوْلُ بِاسْتِثْنَاءِ آيَتَيْنِ وَثَلَاثٍ فَمُسْتَنِدٌ إِلَى مَا
رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ وَعَنْ سَعِيدِ
ابْن جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ [لُقْمَان:
٢٧] إِلَى آخَرِ الْآيَتَيْنِ أَوِ الثَّلَاثِ نَزَلَتْ بِسَبَبِ مُجَادَلَةٍ كَانَتْ مِنَ الْيَهُودِ أَنَّ أَحْبَارَهُمْ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الْإِسْرَاء: ٨٥] إِيَّانَا تُرِيدُ أَمْ قَوْمَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلًّا أَرَدْتُ. قَالُوا: أَلَسْتَ تَتْلُو فِيمَا جَاءَكَ أَنَّا قَدْ أُوتِينَا التَّوْرَاةَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا فِي عِلْمِ اللَّهِ قَلِيلٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ
الْآيَاتِ. وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ وَعَلَى تَسْلِيمِهَا فَقَدْ أُجِيبُ بِأَنَّ الْيَهُودَ جَادَلُوا فِي ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ بِأَنْ لَقَّنُوا ذَلِكَ وَفْدًا مِنْ قُرَيْشٍ وَفَدَ إِلَيْهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَهَذَا أَقْرَبُ لِلتَّوْفِيقِ بَيْنَ الْأَقْوَالِ. وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ثَابِتَةٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَّا أَنَّ مِثْلَ هَذَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالْمَقْبُولِ فِي الْجُمْلَةِ. قَالَ أَبُو حَيَّانَ: سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ أَنَّ قُرَيْشًا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قِصَّةِ لُقْمَانَ مَعَ ابْنِهِ، أَيْ سَأَلُوهُ سُؤَالَ تَعَنُّتٍ وَاخْتِبَارٍ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو حَيَّان يُؤَيّدهُ تَصْدِيرَ السُّورَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [لُقْمَان: ٦] .
وَهَذِهِ السُّورَةُ هِيَ السَّابِعَةُ وَالْخَمْسُونَ فِي تَعْدَادِ نُزُولِ السُّوَرِ، نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الصَّافَّاتِ وَقَبْلَ سُورَةِ سَبَأٍ. وَعُدَّتْ آيَاتُهَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فِي عَدِّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، وَأَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ فِي عَدِّ أَهَّلِ الشَّامِ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ.
أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ
الْأَغْرَاضُ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا هَذِهِ السُّورَةُ تَتَّصِلُ بِسَبَبِ نُزُولِهَا الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ سَأَلُوا عَنْ قِصَّةِ لُقْمَانَ وَابْنِهِ، وَإِذَا جَمَعْنَا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [لُقْمَان: ٦] مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ إِذْ كَانَ يُسَافِرُ إِلَى بِلَادِ الْفُرْسِ فَيَقْتَنِي كُتُبَ قِصَّةِ إِسْفِنْدِيَارَ وَرُسْتَمَ وَبَهْرَامَ، وَكَانَ يَقْرَؤُهَا عَلَى قُرَيْشٍ وَيَقُولُ: يُخْبِرُكُمْ مُحَمَّدٌ عَنْ عَادٍ وَثَمُودَ وَأُحَدِّثُكُمْ أَنَا عَنْ رُسْتَمَ وَإِسْفِنْدِيَارَ وَبَهْرَامَ فَصُدِّرَتْ هَذِهِ السُّورَةُ بِالتَّنْوِيهِ بِهَدْيِ الْقُرْآنِ لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute