إِطْلَاقُهَا عَلَى مَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِ مَا تُضَافُ هِيَ إِلَيْهِ تَنْوِيهًا بِشَأْنِهِ، قَالَ تَعَالَى: وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً [الْكَهْف: ٦٥] .
وَالْحَكِيمُ: الْقَوِيُّ الْحِكْمَةِ، وَالْعَلِيمُ: الْوَاسِعُ الْعِلْمِ. وَفِي التَّنْكِيرِ إِيذَانٌ بِتَعْظِيمِ هَذَا
الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ كَأَنَّهُ قِيلَ: مِنْ حَكِيمٍ أَيُّ حَكِيمٍ، وَعَلِيمٍ أَيُّ عَلِيمٍ.
وَفِي الْوَصْفَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ مُنَاسَبَةٌ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَلِلْمُمَهَّدِ إِلَيْهِ، فَإِنَّ مَا فِي الْقُرْآنِ دَلِيلٌ عَلَى حِكْمَةِ وَعِلْمِ مَنْ أَوْحَى بِهِ، وَأَنَّ مَا يُذْكَرُ هُنَا مِنَ الْقَصَصِ وَمَا يُسْتَخْلَصُ مِنْهَا مِنَ الْمَغَازِي وَالْأَمْثَالِ وَالْمَوْعِظَةِ، مِنْ آثَارِ حِكْمَةِ وَعَلْمِ حَكِيمٍ عَلِيمٍ، وَكَذَلِكَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَثْبِيتِ فؤاد الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[٧]
[سُورَة النَّمْل (٢٧) : آيَة ٧]
إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٧)
قَالَ الزَّجَّاجُ وَالزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا: انْتَصَبَ إِذْ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ: اذْكُرْ، أَيْ أَنَّ إِذْ مُجَرَّدٌ عَنِ الظَّرْفِيَّةِ مُسْتَعْمَلٌ بِمَعْنَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ، وَنَصْبُهُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ، أَيِ اذْكُرْ قِصَّةَ زَمَنِ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ، يَعْنِي أَنَّهُ جَارٍ عَلَى طَرِيقَةِ وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [الْبَقَرَة: ٣٠] .
فَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ. وَمُنَاسَبَةُ مَوْقِعِهَا إِفَادَةُ تَنْظِيرِ تَلَقِّي النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ بِتَلَقِّي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَلَامَ اللَّهِ إِذْ نُودِيَ يَا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [النَّمْل: ٩] .
وَذَلِكَ مِنْ بَدِيعِ التَّخَلُّصِ إِلَى ذِكْرِ قِصَصِ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ عَقِبَ التَّنْوِيهِ بِالْقُرْآنِ، وَأَنَّهُ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ يَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا فِيهِ مَثَلٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَمَا يُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ.
وَفِي ذَلِكَ انْتِقَالٌ لِنَوْعٍ آخَرَ مِنَ الْإِعْجَازِ وَهُوَ الْإِخْبَارُ عَنِ الْمُغَيَّبَاتِ وَهُوَ مَا عَدَدْنَاهُ فِي الْجِهَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ جِهَاتِ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْعَاشِرَةِ مِنَ الْمُقَدِّمَاتِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute