للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٤٢]

وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢)

مَعْطُوفٌ عَلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ [الْبَقَرَة:

٤٠] إِلَى هُنَا لِأَنَّ هَاتِهِ الْجُمَلَ كُلَّهَا لَمْ يُقْصَدْ أَنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا خَاصَّةً بَلْ عَلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَهَا لَا سِيَّمَا قَوْلُهُ: وَلا تَلْبِسُوا فَإِنَّهُ مَبْدَأُ انْتِقَالٍ مِنْ غَرَضِ التَّحْذِيرِ مِنَ الضَّلَالِ إِلَى غَرَضِ التَّحْذِيرِ مِنَ الْإِضْلَالِ بَعْدَ أَنْ وَسَّطَ بَيْنَهُمَا قَوْلَهُ: وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي [الْبَقَرَة: ٤١] كَمَا تَقَدَّمَ.

وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَجْعَلَ كُلًّا مَعْطُوفًا عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ بَعْدَ اعْتِبَارِ كَوْنِ مَا قَبْلَهُ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ كَذَلِكَ، وَهَذَا شَأْنُ الْجُمَلِ الْمُتَعَاطِفَةِ إِلَّا إِذَا أُرِيدَ عَطْفُ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِكَوْنِ الثَّانِيَةِ أَعْلَقَ بِالَّتِي وَالَتْهَا دُونَ الْبَقِيَّةِ وَذَلِكَ كَعَطْفِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ عَلَى لَا تَلْبِسُوا فَإِنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ لِلْعَطْفِ عَلَى تَلْبِسُوا لَا مَحَالَةَ إِنْ كَانَتْ مَعْطُوفَةً وَهُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالتَّغْلِيظُ فِي النَّهْيِ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ بِالْأَوْلَى.

وَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ مَنْصُوبًا بِأَنْ مُضْمَرَةٍ بَعْدَ وَاوِ الْمَعِيَّةِ وَيَكُونَ مَنَاطُ النَّهْيِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالتَّفْرِيقُ فِي الْمَنْهِيِّ يُفِيدُ النَّهْيَ عَنِ الْجَمْعِ بِالْأَوْلَى بِخِلَافِ الْعَكْسِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّمَا نُهُوا عَنِ الْأَمْرَيْنِ مَعًا عَلَى وَجْهِ الْجَمْعِ تَعْرِيضًا بِهِمْ بِأَنَّهُم لَا يرجا مِنْهُمْ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا التَّرْكِ لِلَّبْسِ وَهُوَ تَرْكُ اللَّبْسِ الْمُقَارَنِ لِكَتْمِ الْحَقِّ فَإِنَّ كَوْنَهُ جَرِيمَةً فِي الدِّينِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ. أَمَّا تَرْكُ اللَّبْسِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى التَّحْرِيفِ فِي التَّأْوِيل فَلَا يرجا مِنْهُمْ تَرْكُهُ إِذْ لَا طَمَاعِيَةَ فِي صَلَاحهمْ العاجل.

و (الْحق) الْأَمْرُ الثَّابِتُ مِنْ حَقٍّ إِذَا ثَبَتَ وَوَجَبَ وَهُوَ مَا تَعْتَرِفُ بِهِ سَائِرُ النُّفُوسِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ شَهَوَاتِهَا. وَالْبَاطِلُ فِي كَلَامِهِمْ ضِدُّ الْحَقِّ فَإِنَّهُ الْأَمْرُ الزَّائِلُ الضَّائِعُ يُقَالُ بَطَلَ بَطْلًا وَبُطُولًا وَبُطْلَانًا إِذَا ذهب ضيَاعًا وخسرا وَذهب دَمُهُ بُطْلًا أَيْ هَدْرًا. وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا تَتَبَرَّأُ

مِنْهُ النُّفُوسُ وَتُزِيلُهُ مَادَامَتْ خَلِيَّةً عَنْ غَرَضٍ أَوْ هَوًى، وَسُمِّيَ بَاطِلًا لِأَنَّهُ فِعْلٌ يَذْهَبُ ضَيَاعًا وَخَسَارًا عَلَى صَاحِبِهِ.

وَاللَّبْسُ خَلْطٌ بَيْنَ مُتَشَابِهَاتٍ فِي الصِّفَاتِ يَعْسُرُ مَعَهُ التَّمْيِيزُ أَوْ يَتَعَذَّرُ وَهُوَ يَتَعَدَّى إِلَى الَّذِي اخْتَلَطَ عَلَيْهِ بِعِدَّةِ حُرُوفٍ مِثْلَ عَلَى وَاللَّامِ وَالْبَاءِ عَلَى اخْتِلَافِ السِّيَاقِ الَّذِي يَقْتَضِي مَعْنَى بَعْضِ تِلْكَ الْحُرُوفِ. وَقَدْ يُعَلَّقُ بِهِ ظَرْفُ عِنْدَ. وَقَدْ يُجَرَّدُ عَنِ التَّعْلِيقِ بِالْحَرْفِ.

وَيُطْلَقُ عَلَى اخْتِلَاطِ الْمَعَانِي وَهُوَ الْغَالِبُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّاغِبِ فِي «مُفْرَدَاتِ الْقُرْآنِ» أَنَّهُ