للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَيْكُمْ، وَهَذَا مِنْ رَحْمَةِ الرُّسُلِ بِقَوْمِهِمْ.

وَفِعْلُ الْخَوْفِ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ إِلَى الشَّيْءِ الْمَخُوفِ مِنْهُ، وَيَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ ثَانٍ بِحَرْفِ (عَلَى) إِذَا كَانَ الْخَوْفُ مِنْ ضُرٍّ يَلْحَقُ غَيْرَ الْخَائِفِ، كَمَا قَالَ الْأَحْوَصُ:

فَإِذَا تَزُولُ تَزُول على مُتَخَمِّطٍ ... تُخْشَى بَوَادِرُهُ عَلَى الْأَقْرَانِ

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً ثَانِيَةً بَعْدَ جُمْلَةِ اعْبُدُوا اللَّهَ لِقَصْدِ الْإِرْهَابِ وَالْإِنْذَارِ، وَنُكْتَةُ بِنَاءِ نَظْمِ الْكَلَامِ عَلَى خَوْفِ الْمُتَكَلِّمِ عَلَيْهِمْ هِيَ هِيَ.

وَالْعَذَابُ الْمَخُوفُ وَيَوْمُهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا فِي الْآخِرَةِ أَوْ فِي الدُّنْيَا، وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ جَوَابَهُمْ بِأَنَّهُ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ يُشْعِرُ بِأَنَّهُمْ أَحَالُوا الْوَحْدَانِيَّةَ وَأَحَالُوا الْبَعْثَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ نُوحٍ [١٧، ١٨] : وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً فَحَالُهُمْ كَحَالِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ لِأَنَّ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ تُمَحِّضُ أَهْلَهَا لِلِاقْتِصَارِ عَلَى أغراض الدّنيا.

[٦٠]

[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : آيَة ٦٠]

قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٦٠)

فُصِلَتْ جُمْلَةُ قالَ عَلَى طَرِيقَةِ الْفَصْلِ فِي الْمُحَاوَرَاتِ، وَاقْتَرَنَ جَوَابُهُمْ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمْ حَقَّقُوا وَأَكَّدُوا اعْتِقَادَهُمْ أَنَّ نُوحًا مُنْغَمِسٌ فِي الضَّلَالَةِ. الْمَلَأُ مَهْمُوزٌ بِغَيْرِ مَدٍّ: الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ أَمْرُهُمْ وَاحِدٌ وَرَأْيُهُمْ وَاحِد لأنّهم يمالىء بَعْضُهُمْ بَعْضًا،

أَيْ يُعَاوِنُهُ وَيُوَافِقُهُ، وَيُطْلَقُ الْمَلَأُ عَلَى أَشْرَافِ الْقَوْمِ وَقَادَتِهِمْ لِأَنَّ شَأْنَهُمْ أَنْ يَكُونَ رَأْيُهُمْ وَاحِدًا عَنْ تَشَاوُرٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُنَاسِبُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِقَرِينَةِ (مِنْ) الدَّالَّةِ عَلَى التَّبْعِيضِ أَيْ أَنَّ قَادَةَ الْقَوْمِ هُمُ الَّذِينَ تَصَدَّوْا لِمُجَادَلَةِ نُوحٍ وَالْمُنَاضَلَةِ عَنْ دِينِهِمْ بِمَسْمَعٍ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ خَاطَبَ جَمِيعَهُمْ، وَالرُّؤْيَةُ قَلْبِيَّةٌ بِمَعْنَى الْعِلْمِ، أَيْ إِنَّا لَنُوقِنُ أَنَّكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ وَلَمْ يُوصَفِ الْمَلَأُ هُنَا بِالَّذِينَ كَفَرُوا، أَوْ بِالَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا كَمَا وُصِفَ الْمَلَأُ فِي قِصَّةِ هُودٍ بِالَّذِينَ