للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالتَّرَبُّصُ: الِانْتِظَارُ، وَهَذَا أَمْرُ تَهْدِيدٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ انْتِظَارُ الشَّرِّ. وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ:

حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ أَيِ الْأَمْرِ الَّذِي يَظْهَرُ بِهِ سُوءُ عَاقِبَةِ إِيثَارِكُمْ مَحَبَّةَ الْأَقَارِب وَالْأَمْوَال وَالْمَسَاكِين، عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْجِهَادِ.

وَالْأَمْرُ: اسْمٌ مُبْهَمٌ بِمَعْنَى الشَّيْءِ وَالشَّأْنِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْإِبْهَامِ التَّهْوِيلُ لِتَذْهَبَ نُفُوسُ الْمُهَدَّدِينَ كُلَّ مَذْهَبٍ مُحْتَمَلٍ، فَأَمْرُ اللَّهِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْعَذَابَ أَوِ الْقَتْلَ أَوْ نَحْوَهُمَا، وَمَنْ فَسَّرَ أَمْرَ اللَّهِ بِفَتْحِ مَكَّةَ فَقَدْ ذُهِلَ لِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ.

وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ تَذْيِيلٌ، وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ وَهَذَا تَهْدِيدٌ بِأَنَّهُمْ فَضَّلُوا قَرَابَتَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَعَلَى الْجِهَادِ فَقَدْ تَحَقَّقَ أَنَّهُمْ فَاسِقُونَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ فَحَصَلَ بِمَوْقِعِ التَّذْيِيلِ تَعْرِيضٌ بِهِمْ بِأَنَّهُمْ من الْفَاسِقين.

[٢٥]

[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ٢٥]

لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥)

لَمَّا تَضَمَّنَتِ الْآيَاتُ السَّابِقَةُ الْحَثَّ عَلَى قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:

فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التَّوْبَة: ٥] ، وَكَانَ التَّمْهِيدُ لِلْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ مُدَرَّجًا بِإِبْطَالِ حُرْمَةِ عَهْدِهِمْ، لِشِرْكِهِمْ، وَبِإِظْهَارِ أَنَّهُمْ مُضْمِرُونَ الْعَزْمَ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِنَقْضِ الْعُهُودِ الَّتِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَوْ قُدِّرَ لَهُمُ النَّصْرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَآيَةُ ذَلِكَ: اعْتِدَاؤُهُمْ عَلَى خُزَاعَةَ أَحْلَافِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَمُّهُمْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، حَتَّى إِذَا انْتَهَى ذَلِكَ التَّمْهِيدُ الْمُدَرَّجُ إِلَى الْحَثِّ عَلَى قِتَالِهِمْ وَضَمَانِ نَصْرِ اللَّهِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ، وَمَا اتَّصَلَ بِذَلِكَ مِمَّا يُثِيرُ حَمَاسَةَ الْمُسْلِمِينَ جَاءَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِشَوَاهِدِ مَا سَبَقَ مِنْ نَصْرِ اللَّهِ الْمُسْلِمِينَ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ، وَتَذْكِيرٍ بِمُقَارَنَةِ التَّأْيِيدِ الْإِلَهِيِّ لِحَالَةِ الِامْتِثَالِ لِأَوَامِرِهِ، وَأَنَّ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ شَوَاهِدَ تَشْهَدُ للحالين. فَالْكَلَام استيناف ابْتِدَائِيٌّ لِمُنَاسَبَةِ الْغَرَضِ السَّابِقِ.