اسْتَطَاعُوا أَكَّدَ أَنَّهُمْ دُونَ اللَّهِ فَإِنْ عَجَزُوا عَنِ الْإِتْيَانِ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مَعَ تَمَكُّنِهِمْ مِنَ الِاسْتِعَانَةِ بِكُلِّ مَنْ عَدَا اللَّهَ تَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
وَمَعْنَى إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أَيْ فِي قَوْلِكُمُ افْتَراهُ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ هُوَ قَوْلُهُ:
فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ. وُوَجْهُ الْمُلَازَمَةِ بَيْنَ الشَّرْطِ وَجَزَائِهِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الِافْتِرَاءُ يَأْتِي بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا لَكَمَ لَا تَفْتَرُونَ أَنْتُمْ مِثْلَهُ فتنهض حجتكم.
[١٤]
[سُورَة هود (١١) : آيَة ١٤]
فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤)
تَفْرِيعٌ عَلَى وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ [هود: ١٣] أَيْ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِبْ لكم من تَدْعُو لَهُمْ فَأَنْتُمْ أَعْجَزُ مِنْهُمْ لِأَنَّكُمْ مَا تَدْعُونَهُمْ إِلَّا حِينَ تَشْعُرُونَ بِعَجْزِكُمْ دُونَ مُعَاوِنٍ فَلَا جَرَمَ يَكُونُ عَجْزُ هَؤُلَاءِ مُوقِعًا فِي يَأْسِ الدَّاعِينَ مِنَ الْإِتْيَانِ بِعَشْرِ سُوَرٍ.
وَالِاسْتِجَابَةُ: الْإِجَابَةُ، وَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِيهِ لِلتَّأْكِيدِ. وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْمُعَاوَنَةِ وَالْمُظَاهَرَةِ عَلَى الْأَمْرِ الْمُسْتَعَانِ فِيهِ، وَهِيَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ لِأَنَّ الْمُعَاوَنَةَ تَنْشَأُ عَنِ النِّدَاءِ إِلَى الْإِعَانَةِ غَالِبًا فَإِذَا انْتُدِبَ الْمُسْتَعَانُ بِهِ إِلَى الْإِعَانَةِ أَجَابَ النِّدَاءَ بِحُضُورِهِ فَسُمِّيَتِ اسْتِجَابَةً.
وَالْعِلْمُ: الِاعْتِقَادُ الْيَقِينُ، أَيْ فَأَيْقِنُوا أَنَّ الْقُرْآنَ مَا أُنْزِلَ إِلَّا بِعِلْمِ اللَّهِ، أَيْ مُلَابِسًا لِعِلْمِ اللَّهِ. أَيْ لِأَثَرِ الْعِلْمِ، وَهُوَ جَعْلُهُ بِهَذَا النَّظْمِ لِلْبَشَرِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجَعْلَ أَثَرٌ لِقُدْرَةِ اللَّهِ الْجَارِيَةِ عَلَى وَفْقِ عِلْمِهِ. وَقَدْ أَفَادَتْ (أَنَّمَا) الْحَصْرَ، أَيْ حَصْرَ أَحْوَالِ الْقُرْآنِ فِي حَالَةِ إِنْزَالِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وأَنْ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَطْفٌ عَلَى أَنَّما أُنْزِلَ لِأَنَّهُمْ إِذَا عَجَزُوا فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مَنِ اسْتَنْصَرُوهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ. وَمِنْ جُمْلَةِ مَنْ يَسْتَنْصِرُونَهُمْ بِطَلَبِ الْإِعَانَةِ عَلَى الْمُعَارَضَةِ بَيْنَ الْأَصْنَامِ عَنْ إِعَانَةِ أَتْبَاعِهِمْ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى انْتِفَاءِ الْإِلَهِيَّةِ عَنْهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute