وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ حِسابٍ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ «امْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ» . وَيَكُونَ الْحِسَابُ بِمَعْنَى الْمُحَاسَبَةِ الْمُكَنَّى بِهَا عَنِ الْمُؤَاخَذَةِ. وَالْمَعْنَى: امْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ لَا مُؤَاخَذَةَ عَلَيْكَ فِيمَنْ مَنَنْتَ عَلَيْهِ بِالْإِطْلَاقِ إِنْ كَانَ مُفْسِدًا، وَلَا فِيمَنْ أَمْسَكْتَهُ فِي الْخِدْمَةِ إِنْ كَانَ صَالحا.
[٤٠]
[سُورَة ص (٣٨) : آيَة ٤٠]
وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (٤٠)
تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ آنِفًا فِي قِصَّةِ دَاوُدَ وَبَيَانُ نُكْتَةِ التَّأْكِيدِ بِحرف إِنَّ.
[٤١- ٤٢]
[سُورَة ص (٣٨) : الْآيَات ٤١ إِلَى ٤٢]
وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (٤١) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (٤٢)
هَذَا مَثَلٌ ثَانٍ ذُكِّرَ بِهِ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسْوَةً بِهِ فِي الصَّبْرِ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ وَالِالْتِجَاءِ إِلَى اللَّهِ فِي كَشْفِ الضُّرِّ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ [ص: ١٧] وَلِكَوْنِهِ مَقْصُودًا
بِالْمَثَلِ أُعِيدَ مَعَهُ فِعْلُ اذْكُرْ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ [ص: ١٧] ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى نَظِيرِ صَدْرِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ. وَتَرْجَمَةُ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَقَدَّمَتْ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ.
وَإِذْ كَانَتْ تَعْدِيَةُ فِعْلِ اذْكُرْ إِلَى اسْمِ أَيُّوبَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَذَكُّرُ الْحَالَةِ الْخَاصَّةِ بِهِ كَانَ قَوْلُهُ: إِذْ نَادَى رَبَّهُ بَدَلَ اشْتِمَالٍ مِنْ أَيُّوبَ لِأَنَّ زَمَنَ نِدَائِهِ رَبَّهُ مِمَّا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ أَحْوَالُ أَيُّوبَ. وَخُصَّ هَذَا الْحَالُ بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ أَحْوَالِهِ لِأَنَّهُ مَظْهَرُ تَوَكُّلِهِ عَلَى اللَّهِ وَاسْتِجَابَةِ اللَّهِ دُعَاءَهُ بِكَشْفِ الضُّرِّ عَنْهُ.
وَالنِّدَاءُ: نِدَاءُ دُعَاءٍ لِأَنَّ الدُّعَاءَ يُفْتَتَحُ بِ: يَا رَبِّ، وَنَحْوِهِ.
وأَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ مُتَعَلِّقٌ بِ نَادَى بِحَذْفِ الْبَاءِ الْمَحْذُوفَةِ مَعَ (أَنَّ) ، أَيْ نَادَى: بِأَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ جُمْلَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ نَادَى رَبَّهُ وَلَوْلَا وُجُودِ (أَنَّ) الْمَفْتُوحَةَ الَّتِي تُصَيِّرُ الْجُمْلَةَ فِي مَوْقِعِ الْمُفْرَدِ لَكَانَتْ جُمْلَةً مُبَيِّنَةً لِجُمْلَةِ نَادَى، وَلَمَا احْتَاجَتْ إِلَى تَقْدِيرِ حَرْفِ الْجَرِّ لِيَتَعَدَّى إِلَيْهَا فِعْلُ نَادَى وَخَاصَّةً حَيْثُ خَلَتِ الْجُمْلَةُ مِنْ حَرْفِ نِدَاءٍ. فَقَوْلُهُمْ: إِنَّهَا مَجْرُورَةٌ بِبَاءٍ مُقَدَّرَةٍ