وَقَوْلُهُ: وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ يَجُوزُ أَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ: وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ حَتَّى لَا يَجْعَلَهُ الْمُنَافِقُونَ حُجَّةً عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
فِي نَفْيِ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ إِلَّا مَا أَطْلَعَ عَلَيْهِ رَسُولَهُ وَمِنْ شَأْنِ الرَّسُولِ أَنْ لَا يُفْشِيَ مَا أَسَرَّهُ اللَّهُ إِلَيْهِ كَقَوْلِهِ: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ [الْجِنّ: ٢٦، ٢٧] الْآيَةَ، فَيَكُونُ كَاسْتِثْنَاءٍ مِنْ عُمُومِ لِيُطْلِعَكُمْ. وَيَجُوزُ أَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا يُفِيدُهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ مِنِ انْتِفَاءِ اطِّلَاعِ أَحَدٍ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ كَاسْتِثْنَاءٍ مِنْ مُفَادِ الْغَيْبِ أَيْ: إِلَّا الْغَيْبَ الرَّاجِعَ إِلَى إِبْلَاغِ الشَّرِيعَةِ، وَأَمَّا مَا عَدَاهُ فَلَمْ يَضْمَنِ اللَّهُ لِرُسُلِهِ إِطْلَاعَهُمْ عَلَيْهِ بَلْ قَدْ يُطْلِعُهُمْ، وَقَدْ لَا يُطْلِعُهُمْ، قَالَ تَعَالَى: وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ [الْأَنْفَال: ٦٠] .
وَقَوْلُهُ: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ إِنْ كَانَ خِطَابًا لِلْمُؤْمِنِينَ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِيمَانُ الْخَاصُّ، وَهُوَ التَّصْدِيقُ بِأَنَّهُمْ لَا يَنْطِقُونَ عَنِ الْهَوَى، وَبِأَنَّ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلَفُ، فَعَلَيْهِمُ الطَّاعَةُ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهِ أَوْ أُرِيدَ الدَّوَامُ عَلَى الْإِيمَانِ، لِأَنَّ الْحَالَةَ الْمُتَحَدَّثَ عَنْهَا قَدْ يُتَوَقَّعُ
مِنْهَا تَزَلْزُلُ إِيمَانِ الضُّعَفَاءِ وَرَوَاجُ شُبَهِ الْمُنَافِقِينَ، وَمَوْقِعُ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا ظَاهِرٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ: فَآمِنُوا خِطَابًا لِلْكُفَّارِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ فِي قَوْلِهِ: عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ لِلْكَفَّارِ فَالْأَمْرُ بِالْإِيمَانِ ظَاهِرٌ، وَمُنَاسَبَةُ تَفْرِيعِهِ عَمَّا تَقَدَّمَ انْتِهَازُ فُرَصِ الدَّعْوَةِ حَيْثُمَا تأتّت.
[١٨٠]
[سُورَة آل عمرَان (٣) : آيَة ١٨٠]
وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٨٠)
عَطْفٌ عَلَى وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا أُنْزِلَ فِي شَأْنِ أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ، كَمَا حَكَى اللَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute