لِأَنَّ غَرَضَ الْبَانِي دَوَامُ مَا بَنَاهُ. فَهُمْ لَمَّا بَنَوْهُ لِقَصْدِ التَّقْوَى وَرِضَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَقْتَضِي خَيْبَتَهُمْ فِيهِ كَمَا ذُكِرَ فِي مُقَابِلِهِ عُلِمَ أَنَّهُمْ قَدِ اتَّقَوُا اللَّهَ بِذَلِكَ وَأَرْضَوْهُ فَفَازُوا بِالْجَنَّةِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْمُقَابَلَةُ، وَأَنَّ الْبُنْيَانَ الثَّانِيَ لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُ بَانِيهِ وَهُوَ الضِّرَارُ وَالتَّفْرِيقُ فَخَابُوا فِيمَا قَصَدُوهُ فَلَمْ يَثْبُتِ الْمَقْصِدُ، وَكَانَ عَدَمُ ثَبَاتِهِ مُفْضِيًا بِهِمْ إِلَى النَّارِ كَمَا يُفْضِي الْبِنَاءُ الْمُنْهَارُ بِسَاكِنِهِ إِلَى الْهَلَاكِ.
وَالشَّفَا- بِفَتْحِ الشِّينِ وَبِالْقَصْرِ-: حَرْفُ الْبِئْرِ وَحَرْفُ الْحُفْرَةِ.
وَالْجُرُفُ- بِضَمَّتَيْنِ-: جَانِبُ الْوَادِي وَجَانِبُ الْهُوَّةِ.
وَهَارٍ: اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ هَارَ الْبِنَاءُ إِذَا تَصَدَّعَ، فَقِيلَ: أَصْلُهُ هَوَرَ بِفَتْحَتَيْنِ كَمَا قَالُوا خَلَفَ فِي خَالَفَ. وَلَيْسَتِ الْأَلِفُ الَّتِي بَعْدَ الْهَاءِ أَلْفَ فَاعِلٍ بَلْ هِيَ عَيْنُ الْكَلِمَةِ مُنْقَلِبَةٌ عَنِ الْوَاوِ لِأَنَّ الْوَاوَ مُتَحَرِّكَةٌ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا فَقُلِبَتْ أَلِفًا، وَقِيلَ هُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ هَارَ الْبِنَاءُ وَأَصْلُ وَزْنِهِ هَاوَرَ، فَوَقَعَ فِيهِ قَلْبٌ بَيْنَ عَيْنِهِ وَلَامِهِ تَخْفِيفًا. وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي أَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ
مِنَ اللُّغَةِ مِثْلُ قَوْلِهِمْ: شَاكِي السِّلَاحِ، أَصْلُهُ شَائِكٌ. وَرَجُلٌ صَاتٌ عَالِي الصَّوْتِ أَصْلُهُ صَائِتٌ. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُمُ: انْهَارَ وَلَمْ يَقُولُوا انْهَرَى. وَهَرٍ مُبَالَغَةٌ فِي هَارٍ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحْدَهُمَا فِعْلَ أُسِّسَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِصِيغَةِ الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَرَفْعِ بُنْيانَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَقَرَأَهَا الْبَاقُونَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَنَصْبِ بُنْيانَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ جُرُفٍ- بِضَمِّ الرَّاءِ- وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَخَلَفٌ- بِسُكُونِ الرَّاءِ-.
وَجُمْلَةُ: وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ تَذْيِيلٌ، وَهُوَ عَامٌّ يَشْمَلُ هَؤُلَاءِ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ بَنَوْا مَسْجِدَ الضرار وَغَيرهم.
[١١٠]
[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ١١٠]
لَا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١١٠)
جُمْلَةُ: لَا يَزالُ بُنْيانُهُمُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً لِتَعْدَادِ مَسَاوِي مَسْجِدِ الضِّرَارِ بِذِكْرِ سُوءِ عَوَاقِبِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ سُوءَ الْبَاعِثِ عَلَيْهِ وَبَعْدَ أَنْ ذَكَرَ سُوءَ وَقْعِهِ فِي الْإِسْلَامِ